الحياة مرة أخرى " 1 ".

  بقلم هند فهمي





ظهر من بعيد يجر حصانه المنهك عربة تحمل ما لا يقل عن عشر اسطوانات من الغاز ،شاب تخطى عامه العشرين بسنوات تبدو على هندامه رث ما اعتدناه من بعض بائعي الأنابيب لكن شكله يوحي غير ذلك.

من احدي الشرفات نادته سيدة عجوز بأنها تحتاج اسطوانه فنزل وبدأ في حملها لكنه شبه الذي تعثر أو لم يكن على دراية كافية كيف تحمل الاسطوانات.

توجه للعمارة وفي تخيله أنه سيعتمد المصعد في الوصول لشقة السيدة إلا أن البواب نهره عن استعماله وهنا تكلف حمل الاسطوانة على السلم.

توجه للشقة فإذا بابها موارب قليلاً وهنا احتار كيف ينادي وماذا يفعل فاقترب أكثر لعله ينتهي من هذة المهمة.

سمع من خلف الباب أنين شخص كأنه مريض أو متألم فأنزل الأسطوانة وأخذه الفضول ليستبين الأمر فاضطر للدخول فإذا السيدة التي نادته ملقاة على الأرض في حالة تشبه فقدان الوعي فحاول استفاقتها بطريقة المتمرس على التعامل مع المرضى وفي تلك الأثناء لمح من قريب رجل يجلس كرسياً متحركاً تبدو عليه ملامح الكبر وآثار جلطة على وجهه وحزن على تلك الفاقدة للوعي لكنه لايملك إلا التعبير بعينيه وكأنه يتوسل لهذا الشاب أن يسعفها ولكن ما العمل وهو لايملك أداة اتصال ولا يستطيع أن يتحرك بحكم أنه غريب؟!

الشاب يعلم أنها غيبوبة السكر التي هي من النوع الذي يحتاج بعض السكر مؤقتاً ليستفيق المريض فما كان منه إلا الحيرة اين المطبخ وهل له الحق أن يتصرف ..كما أنه يبدو أن هذين العجوزين يسكنان بمفرهما.

الرجل القعيد حاول بيد مرتعشة الإشارة إلي المطبخ لأنه يعلم كيف تفيق تلك المريضة التي هي على الأغلب زوجته ،فتوجه الشاب مسرعاً دون تردد وبحث عن علبة السكر والحمدلله استطاع ونجح في افاقتها ولكن السيدة ما بين الاغماء والافاقة فزعت من هذا الغريب وكيف وأين هي ؟!

حاول العجوز بإشارات أن يهديء من روعها في حين بادرها الشاب بقوله:_حمدالله على سلامة حضرتك ممكن ورقة اكتب لحضرتك تاخدي أي لو حسيتي مرة تانية بتعب السكر؟

ردت السيدة:_انت مين وأي اللي جابك شقتي ؟!

الشاب:_انا بلف بالانابيب وحضرتك شاورتي لي ممكن اغير الأنبوبة لأني سايب العربية لوحدها من مدة؟!

الست انفعلت وقالت له أنا مش فاكرة حاجة زي دي أنا هطلب لك البوليس.

الشاب:_ياست اعملي معروف أنا مش بكدب عليكي وكمان الأنبوبة معايا أهي..

تداركت العجوز الأمر وتركته يغير الاسطوانة وحمل الفارغة وتصادف المصعد فهبط فيه وهو يتعجب :_يعني مش كنت طلعت فيك وانا شايل اسهل لي؟! أي الحظ دا!

خرج من باب العمارة وأكمل سيره وظل نهاره كله يتجول حتى عاد عند أذان العشاء إلي حجرته التي استطاع بالكاد أن يؤجرها بمنطقة سكنها الموتى جنباً إلي جنب مع الاحياء!

#نقاش_دوت_نت.