هل تعود باكستان إلى الحكم العسكري ؟





هل استغل الجنرال عاصم منير قائد الجيش الباكستاني الاشتباكات مع الهند لعسكرة القضاء وتشديد قبضته على البلاد ليكون الحاكم الفعلي.

تعرضت باكستان مرارًا لانتكاسات الديمقراطية وللإنقلابات عليها، لكن في صراعها المستمر مع جارتها القوية "الهند".. ظلت الديمقراطية هي الضمانة الأقوى لوحدة وتماسك البلاد وتفعيل قوة الردع.

يبدو أن باكستان مقبلة على عاصفة جديدة تهدد الديمقراطية، وذلك عقب إصدار المحكمة العليا حكماً يتيح محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في باكستان. 

اعتبرت المعارضة هذا الحكم بمثابة موافقة فعلية من السلطة القضائية على حملة عسكرية لقمعها، في وقت كان منير بأمسّ الحاجة إليها.

قد يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى إطلاق يد المؤسسة العسكرية، التي قمعت الديمقراطية كثيرًا في باكستان من قبل.

يُلقّب عاصم منير بـ "الجنرال الملا"، كناية عن التزامه القوي بتعاليم الإسلام وحفظه القرآن الكريم. والآن يعد الجنرال الذي تسلّم قيادة الجيش في نوفمبر 2022، الرجل الأقوى في بلاده، والذي يفضّل العمل من وراء الكواليس.



المعارضة تعتبر خطاب منير الحاد بشأن الأزمة مع الهند سببا في التوتر الذي تطور إلى معارك، وأن أهدافه سياسية بحتة، فهو يرغب في أن يكون نسخة من الرئيس الأسبق ضياء الحق، بينما تعاني باكستان أزمات اقتصادية طاحنة.

في 25 أبريل الماضي وصف كشمير بأنها "وريد باكستان" وكرر "نظرية الدولتين"، بشأن المسلمين والهندوس مما عُد تحفيزًا للعنف بينهما ورسالة للجماعات المسلحة لتصعيد عملياتها.

واتهم الضابط السابق في الجيش الباكستاني، الرائد عادل راجا، عاصم منير علنًا بتدبير هجوم باهالجام لتعزيز سلطته السياسية، مُشبِّهًا طموحاته بطموحات ضياء الحق.

يتعرّض منير لانتقادات واسعة لتدخله في السياسة المدنية الباكستانية رغم دوره العسكري. ويُتهم بقمع حزب حركة الإنصاف الباكستانية (PTI) بقيادة رئيس الوزراء السابق عمران خان، بما في ذلك استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين المتورطين في أعمال الشغب التي اندلعت في 9 مايو 2023 عقب اعتقال خان. واتهم عمران خان منير بالتآمر ضده، وانتهاك اتفاقيات الحياد، وحتى التخطيط لاغتياله.

بعد أعمال الشغب التي اندلعت في التاسع من مايو بادر عاصم منير إلى محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية بموجب قانون الجيش الباكستاني وقانون الأسرار الرسمية، وهي الخطوة التي أدانتها جماعات حقوق الإنسان، ثم أبطلتها المحكمة العليا الباكستانية باعتبارها غير دستورية. هذا البطلان تم إلغاءه بعد الاستنئناف ضده أمام المحكمة العليا.



واجهت قيادة منير معارضة داخل الجيش الباكستاني، بما في ذلك التقاعد القسري لضباط كبار ومطالبات من ضباط صغار باستقالته، ويرجع ذلك جزئيا إلى الفشل في الأمن والتعامل مع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

دعا عضو الكونجرس الأمريكي رو خانا إلى فرض عقوبات على عاصم منير لاستهدافه أفراد عائلات النشطاء المؤيدين للديمقراطية. وحذّر محللون، مثل مايكل كوجلمان، من أن منير يُرسّخ نفوذًا عسكريًا مفرطًا على حساب الديمقراطية. وشبّه مايكل روبن منير بإسامة بن لادن.

تولى عدة مناصب استخباراتية وعسكرية كبيرة قبل أن يتولى منصبه الأعلى، قائدا عامًا للجيش في نوفمبر 2022.

بسبب تدينه الصارم أطلقت عليه الهند وصف "الجنرال الملا" تشبيهًا له بقادة طالبان. يوم الخميس الماضي تخلى عن غموضه وخاطب جيشه قائلا: "لا مجال للغموض. أي مغامرة عسكرية من جانب الهند ستُقابل برد سريع وحازم وحازم". 

اعتبرت الهند وباكستان تصريحات الجنرال منير انعكاساً لحاجته إلى إظهار قوته وحشد الدعم الشعبي، بعد أن عانت بلاده لسنوات من الانقسامات السياسية والصعوبات الاقتصادية. 

يؤمن الجنرال بأن صراع بلاده الطويل مع الهند، صراع ديني في جوهره، وقد شكل ذلك توجهه خلال فترة قيادته لجهازي الاستخبارات العسكرية الرئيسيين.

المعارضة الباكستانية تقول إن مكانة منير تُضاهي منصب الرئيس التنفيذي لشركة.

تلقي التفاصيل التي يسردها كتاب الكاتبة الشهيرة د. عائشة صديقة "الشركة العسكرية: داخل الاقتصاد العسكري الباكستاني" نظرةً عميقةً على الإمبراطورية التجارية للجيش الذي يشارك في العديد من القطاعات، بما في ذلك الأسمنت والأسمدة والخدمات المصرفية ومنتجات الألبان والنقل والإسكان. 

ويذكر الكتاب أن قطاع العقارات هو القطاع الأكبر. واجه الجيش انتقاداتٍ بسبب استيلائه على الأراضي باسم الأمن القومي. في كراتشي ولاهور وإسلام آباد، حُوِّلت هذه الأراضي إلى مشاريع سكنية تجارية.

وفقًا لعائشة صديقة، بلغت القيمة الإجمالية لمشاريع الجيش الباكستاني التجارية 20 مليار دولار أمريكي في عام 2007. أما الآن، فقد تتراوح قيمتها بين 40 و100 مليار دولار، وفقًا لتقديرات خبراء مختلفين. وتشمل هذه المشاريع مشاريع عقارية تابعة لهيئة الإسكان الدفاعي (DHA) المنتشرة في مدن مثل كراتشي ولاهور وإسلام آباد، وتُقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

ومع ذلك لم يتوصل معارضو عصام منير إلى ثروة كبيرة له. أكبر رقم لم يتجاوز 800 ألف دولار حسب ناشط باكستاني على موقع X.

محمد ضياء الحق الذي بشبهون عصام منير به أو أنه طامح ليكون نسخة منه، كان قائدا للجيش ورئيسا لباكستان، وهو الذي طبق الأحكام العرفية للمرة الثالثة في التاريخ الباكستاني.

كان قائداً للجيش في عهد ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء، وأعطى نفسه صلاحيات كثيرة كانت سببا في إضعاف موقفه أمام الشعب، ولقي مصرعه عندما تحطمت طائرة كانت تقله في حادث مدير في 17 أغسطس عام 1988 مع عدد من العسكريين الباكستانيين البارزين. ورغم أن السفير الأمريكي كان بصحبته في الذائرة ولفي مصرعه، إلا أنه قيل وقتها أن واشنطن دبرت الحادث.

كان أيضا متديناً، يحافظ على الصلاة، وهذا ما جعل بوتو يثق فيه ويعينه قائداً للجبش متجاوزاً أربعة جنرالات أقدم منه. اغتنم ضياء الحق الخلافات السياسية وانقلب على بوتو في إنقلاب أبيض، وفرض الأحكام العرفية في البلاد، وتقلد منصب رئيس باكستان في 16 سبتمبر 1978.

#نقاش_دوت_نت