المعجزة الفيتنامية!!

 




كتب خالد شحاتة 


‏سايغون"1975" : 

طائرات الهليكوبتر الأمريكية كانت تُخلِّي الناس من فوق الأسطح..الملايين هربوا بالقوارب.. الحقول كانت مسمومة بمادة "Agent Orange".

اجتاحت أمريكا فيتنام ب ٢مليون و٧٠٠ ألف جندى،واستمرت الحرب ٩ سنوات،وخرجت ذليلة صاغرة،وكانت خسارتها : 

٥٨ ألف قتيل و٣٠٤ ألف جريح ٠

"هوشى منه"

الطباخ الذى قاد الثورة في فيتنام وهزم جيوش الدول العظمى..درس تعاليم كونفوشيوس في العاشرة من عمره وأتقن الصينية وأصبح صيد السمك و اللعب بالطائرات الورقية هواياته المفضلة, اكتشف موهبته الشعرية بالسجن.




 وأسس جيش التحرير بـ 10 آلاف جندى وأجبر فرنسا على الانسحاب من بلاده بعد خسارة 75 ألف قتيل تدخلت أمريكا للإطاحة بحكمه وغرقت في مستنقع فيتنام وأطلق الثوار اسمه على عاصمة الجنوب بعد انسحابها..

انتصار الشيوعية في فيتنام يشير إلى نهاية حرب فيتنام في عام 1975، عندما سيطرت القوات الشيوعية على فيتنام الجنوبية وأعادت توحيد البلاد تحت اسم جمهورية فيتنام الاشتراكية. هذا الانتصار جاء بعد عقود من الصراع، بما في ذلك الحرب الهندوصينية الأولى ضد الاستعمار الفرنسي، والحرب الفيتنامية الثانية (حرب فيتنام) ضد فيتنام الجنوبية والولايات المتحدة.

نصيب الفرد من الناتج المحلي؟ 231 دولار فقط..أقل من أقل الدول الفقيرة بالعالم..العالم كله ينظر إليها على إنها دولة فاشلة…ويمكن نصير كوريا الشمالية الثانية.




‏يحكي الفيتناميون  قصص مأساوية :"كنا نعيش على بطاقات تموينية. . نصيب الأسرة 13 كيلو أرز في الشهر. .لا لحم، لا خضار. كانوا يقومون بغلي قشر الشجر للحصول على شوربة مقبولةالطعم نوعاما".




وبحلول عام  1985، انتقد مسؤولو الحزب نظام الحكم و اعترفوا:النظام فاشل، والناس يموتون .


‏ثم جاءت الليلة التي غيّرت كل شيء.

18 ديسمبر 1986، غرفة ممتلئة بالدخان في هانوي..وقف السكرتير  العام للحزب الشيوعي الحاكم "نغوين فان لينه" وقال:

" لابد أن نعترف بالحقيقة. التخطيط المركزي فشل. نحتاج إلى... تجديد." ،ومن هنا، وُلدت حركة Đổi Mới (التجديد).





‏اتفجر الحرس القديم  غضبًا: 

"رأسمالية؟ في فيتنام؟ أنت  بذلك تتنكر لكل ما حاربنا من أجله !"

لكن "لينه" كان لديه  وصفة سحرية — كان يدرس سرًا تجربة  سنغافورة الناجحة تحت قيادة لي كوان يو.

وقال كلمته الشهيرة:"هل الأفضل أن نتمسك بالنظرية ونموت من الجوع؟ أم نكون واقعيين ونزدهر؟"



‏رياح التغيير بدأت بخطوات بسيطة:

• أصبح المزارعون بإمكانهم أن يبيعوا فائض محاصيلهم

• فتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي

• السماح بفتح المشاريع الصغيرة

وفي خلال 18 شهر، ارتفع إنتاج الأرز، وحياة الناس بدأت في التحسن ، وبشكل أشبه بالمعجزة، فيتنام انتقلت من دولة تستورد الأرز إلى ثاني أكبر مُصدّر له في العالم في التسعينات.



 هناك بلدة" سابا" ، الواقعة في جبال شمال فيتنام، تسحر الزوار بحقول الأرز المدرّجة، والوديان الضبابية، وثقافات القبائل الجبلية النابضة بالحياة. تقدم هذه البلدة الجبلية جمالاً هادئاً ورحلات مشي تخطف الأنفاس عبر مناظر طبيعية خضراء. الهواء البارد، والابتسامات الدافئة، وصدى الحياة التقليدية يجعلون من سابا ملاذاً خالداً للطبيعة والتراث.





‏لكن التحول الحقيقي بدأ مع مهندس عمره 24 سنة اسمه "لي هونغ مينه"، في عام 1997، رجع من وادي السيليكون ومعه فكرة مجنونة مفادها :"فيتنام تستطيع أن تتجاوز مرحلة التصنيع وتذهب مباشرة لعالم التقنية."

أصدقاؤه سخروا منه لأن فيتنام بالكاد   لم يكن فيها إنترنت أصلاً.




 أسّس " مينه" شركة VNG في شقة صغيرة بسايجون.

 وكان أول منتج له؟ منصة ألعاب… في وقت أغلب الفيتناميين  لا يعرفون شكل الكمبيوتر!




الكل قال إنه راح يفشل،لكن في عام 2010، أصبحت القيمة السوقية لشركة VNG مليار دولار..أول "يونيكورن" فيتنامي وُلد.




‏هذا الانجازأشعل شرارة التقدم بعد 20 سنة، بدأ الشباب الفيتنامي يفكر بشكل مختلف:

"إذا كان طفل من سايجون  استطاع أن يبني شركة بمليار دولار..."

2010: 100 شركة ناشئة

2015: 1,800 شركة ناشئة

2020: 3,000 شركة ناشئة

2024: أكثر من 3,800 شركة ناشئة

الحاجز  انكسر.




‏بعدها حدث التحول الذي لم يكن  في الحسبان عام  2018: الحرب التجارية  بين ترامب والصين.

فجأة، كل عمالقة التقنية صاروا يبحثون عن بديل.

وكانت هواتف فيتنام ترن بلا توقف:

• آبل: "نحتاج 200,000 عامل"

• إنتل: "نبني أكبر مصنع للرقائق عندنا"

• سامسونج: "نقلنا أكبر مصنع لنا هناك"





‏الشارع الذي كان ساحة معركة؟ صار اليوم يحتضن عمالقة  التكنولوجيا مثل:  إنتل، نايكي، وثاكو...

حقول الأرز التي كانت مقسمة لأراض صغيرة؟ اليوم مصنع سامسونج تقدر قيمته ب17 مليار دولار.

لكن ما يبعث على الدهشة 



‏ أن الاقتصاد العالمي قد  يكون في تراجع، لكن فيتنام هي النجم الهادِي:

• 100 مليون نسمة

• معدل معرفة بالقراءة والكتابة 98٪

• 70 مليون مستخدم للهواتف الذكية

• 55٪ من السكان تحت عمر 35

• متوسط راتب المهندس: 12,000 دولار (مقابل 150,000 دولار في وادي السيليكون).

نفس المواهب. تكلفة أقل بعشر مرات. جهد مضاعف بمئة مرة.



‏لكن هناك جانب لم يتحدث عنه أحد 

هذا التحول لم يكن محتوما، ولكنه حدث بسبب تضحيات أجيال عديدة .



هذه الصورة ‏عندما انهزمت أمريكان في فيتنام وبدأت بِالإنسحاب بدأ الخونة الفيتناميّون بالهروب ، ولحقوا بهم ليصعدوا معهم بِالطّائرة خوفا من انتقام الشّعب منهم وما أن صعد آخر جنديّ أمريكيّ .

حتّىٰ قام الإمريكان بِرفس السّلّم الّذي يحمل المتعاونين والخونة

صورة بألف معنى.

هٰكذا نهاية كلّ خائن وعميل.