الإنسان السوبر مستقبلي.

 

        



     الإنسان السوبر مستقبلي يبدأ من المستقبل فيشكِّل الحاضر والماضي على ضوء تصوّراته عن المستقبل. وبذلك يحيا في المستقبل مما يحرِّره من مُحدَّدية الحاضر والماضي. من هنا، يكتسب الإنسان السوبر مستقبلي الحرية الكبرى من جراء تحرّره مما هو مُحدَّد في الحاضر والماضي مما بدوره يُفعِّل قدرته الإبداعية من خلال صياغته للحاضر والماضي على ضوء ما سوف يكون في المستقبل. إنه إنسان ثوري لأنَّ، بالنسبة إليه، التاريخ يبدأ من المستقبل بدلاً من أن يبدأ من الماضي. 

     بالنسبة إلى الفلسفة السوبر مستقبلية، الحقائق والمعارف والمعاني مُحدَّدة فقط في المستقبل وبذلك هي غير مُحدَّدة في الحاضر والماضي مما يطالبنا بتحديدها المستمر فيضمن بذلك أن نكون أسياد الحقائق والمعاني والمعارف من جراء تحديدنا لها بدلاً من أن نكون عبيداً للحقائق والمعاني والمعارف الماضوية. هكذا ينجح الإنسان السوبر مستقبلي في أن يكون مبدعاً فعّالاً من خلال صياغته للحقائق والمعاني والمعارف التي تطالبه بتحديدها باستمرار. تعتبر السوبر مستقبلية أنَّ الحقائق والمعاني والمعارف قرارات فكرية وعلمية واجتماعية مستقبلية أي متكوِّنة في المستقبل مما يحرِّر الإنسان السوبر مستقبلي من الحقائق والمعاني والمعارف الماضوية و يدفع به نحو أن يكون مبدعاً فعّالاً في إنتاج الحقيقة والمعنى والمعرفة. من هنا، يتصف الإنسان السوبر مستقبلي بالحرية المطلقة والإبداع الخلاّق مما يُفعِّل إنسانيته الكبرى الكامنة في الحرية والإبداع.

     من المنطلق نفسه، الإنسان السوبر مستقبلي يضمن تحقيق التطوّر واستمرارية البحث المعرفي. فبما أنَّ الحقائق وما يصاحبها من معانٍ ومعرفة مُحدَّدة فقط في المستقبل مما يحتِّم على الإنسان السوبر مستقبلي أن يُحدِّدها باستمرار لكونها غير مُحدَّدة في الحاضر والماضي بينما المستقبل يبقى مستقبلاً مطالباً بتحديد حقائقه ومعارفه، إذن سوف يستمر البحث المعرفي من جراء استمرارية تحديد المعرفة والحقائق اللامُحدَّدة في الحاضر والماضي مما يضمن بدوره التطوّر المستمر. على هذا الأساس، من فضائل الإنسان السوبر مستقبلي ضمان التطوّر واستمرارية البحث المعرفي.

     من فضائل الإنسان السوبر مستقبلي أيضاً فضيلة التعالي عن الصراعات. فإن كانت المعرفة والحقائق مُحدَّدة في المستقبل فقط، كما يؤكِّد الإنسان السوبر مستقبلي، وبذلك هي غير مُحدَّدة في الحاضر والماضي فحينئذٍ تتساوى كلّ المعتقدات بقيمتها ومقبوليتها في الحاضر والماضي لكونها جمعاء غير مُحدَّدة مما يؤدي إلى قبول الآخر فيؤسِّس للفلسفة الإنسانوية القائمة على قبول الآخر واحترام اختلافه. وبذلك يضمن الإنسان السوبر مستقبلي التعالي عن الصراعات و يبني الحضارة الحقة الكامنة في إنتاج السلام. 

     الإنسان لم يولد بعد. الإنسان فكرة. ولا تتحقق هذه الفكرة سوى في المستقبل على أساس تصوّرنا لكينونة الإنسان وماهيته. من هذا المنطلق، بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، لا يتحقق الإنسان سوى في المستقبل. وبذلك الإنسان غير مُحدَّد في الحاضر والماضي مما يطالبنا بتحديده المستمر فنضمن بذلك حرية اختيارنا لكيفية تحديده ونتحرّر من أيّة ذوات مُحدَّدة سلفاً. هكذا تضمن السوبر مستقبلية حريتنا في تحديد ذواتنا فتكتسب بذلك فضيلة كبرى.

حسن عجمي

كاتب ومفكر لبناني