إسرائيل وإيران... صراع صامت في الظل تقوده الطائرات والجواسيس والاختراقات السيبرانية
يونيو 28, 2025
كتب : كريم البحيري
وسط هدير المعارك المعلنة في غزة وجنوب لبنان، تدور حرب أخرى لا يسمع ضجيجها، لكن تأثيرها أعمق وأكثر اتساعاً. في تقرير استقصائي مطوّل، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إسرائيل وإيران تخوضان مواجهة سرّية معقدة، تقوم على أسس التجسس، والهجمات الإلكترونية، والاغتيالات، والتخريب المدروس داخل العمق الإيراني والإسرائيلي، وعلى امتداد خارطة الشرق الأوسط.
الحرب في الظل: عمليات دقيقة خارج الرادار
وفقاً لمصادر استخباراتية غربية وإسرائيلية وإيرانية تحدّثت للصحيفة، فإن المواجهة بين الطرفين وصلت إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة، ليس من خلال صواريخ أو اجتياحات، بل عبر ضربات متزامنة ومنسّقة نفذها "الموساد" ضد بنى تحتية عسكرية إيرانية، شملت منشآت لتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، داخل أراضٍ إيرانية.
ترافقت تلك العمليات مع غارات جوية إسرائيلية استهدفت شحنات أسلحة ثقيلة مرسلة من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان. وقد رُصدت ضربات على منشآت عسكرية في مدن مثل طهران وأصفهان وكرمساه، سبقتها أو تزامنت معها عمليات تشويش إلكتروني وتفجيرات داخلية نُسبت إلى عملاء محليين يعملون لصالح إسرائيل.
إيران ترد: بالوكلاء والهجمات الخارجية
على الجانب الآخر، ترد إيران بأسلوب مختلف. فهي تعتمد على شبكات من الوكلاء الإقليميين، أبرزهم "حزب الله" في لبنان، وميليشيات في سوريا والعراق، كما توسّع من استخدام أدواتها السيبرانية لاستهداف بنى تحتية إسرائيلية ومصالح مرتبطة بها في الخارج، خاصة في أوروبا وأميركا اللاتينية، حيث تتمركز خلايا نائمة.
وتقول الصحيفة إن طهران تدير عمليات معقدة عبر وحدات تابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، وتنفّذ أحياناً عمليات اغتيال أو محاولات تفجير بشكل غير مباشر، مع الحرص على الإنكار الرسمي لتجنّب الحرب المفتوحة.
لا حرب... ولا سلام: "التصعيد المُدار"
بحسب نيويورك تايمز، لا تسعى أي من الدولتين إلى الدخول في حرب شاملة، لكنهما لا ترغبان في خفض التصعيد أيضاً. بل يبدو أن الطرفين يخوضان ما يُسمّى بـ"التصعيد المُدار"، حيث تُنفَّذ عمليات عسكرية وأمنية عالية التأثير دون أن تصل إلى مستوى يُفجّر نزاعاً مباشراً.
وتنقل الصحيفة عن مصادر إسرائيلية أن الهدف من هذه الضربات هو "كبح النفوذ الإيراني الاستراتيجي في المنطقة وتقويض قدراته على بناء قوة عسكرية بعيدة المدى، خصوصاً في الملف النووي". فيما تعتبر إيران أن ما تقوم به "دفاع مشروع عن أمنها الإقليمي وردّ على انتهاكات سيادتها".
معركة استخباراتية... تعيد تشكيل قواعد اللعبة
ما تكشفه الصحيفة يشير إلى أن ساحة المعركة لم تعد محددة بالجغرافيا، بل باتت حرباً متعددة الأبعاد. في عالم تندمج فيه الطائرات المسيّرة مع التكنولوجيا السيبرانية والعملاء السريين، يُعاد تشكيل قواعد اللعبة العسكرية في الشرق الأوسط.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه المواجهات دون ضوابط دولية أو قنوات اتصال مستقرة، ينذر بانفجار إقليمي قد لا يكون متعمداً، لكنه سيكون مدمراً.