"مجزرة الدروز ضد الموارنة سنة 1860م وهي ثمرة صراع في لبنان وسوريا نشأ بين الموارنة من جهة والدروز من جهة أخرى.
بدأ الصراع بعد سلسلة من الاضطرابات توجت بثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين وملاّك الأراضي من الدروز. وسرعان ما امتد إلى جنوب البلاد حيث تغير طابع النزاع، فبادر الدروز بالهجوم على الموارنة. بلغ عدد القتلى من المسيحيين حوالي 20,000 كما دمرت أكثر من 380 قرية مسيحية و 560 كنيسة. وبالمثل تكبد الدروز والمسلمون خسائر كبيرة كذلك.
بدأت الحرب بين الطائفتين بحسب رواية تقليدية بعد نزاع بين طفلين درزي وماروني من دير القمر، فتدخلت عائلتيهما ومن ثم طائفتيهما. وأشعلت هذه الخلافات سيلا من أعمال العنف اجتاحت لبنان. دمرت خلالها 60 قرية بالقرب من بيروت في ثلاثة أيام، من 29 إلى 31 أيار، 1860. قتل خلالها 33 مسيحي و-48 درزي.
بحلول شهر يونيو/حزيران امتدت الاضطرابات إلى الأحياء المختلطة من جنوب لبنان، وجبال لبنان الشرقية، وحتى صيدا وحاصبيا وراشيا ودير القمر وزحلة. أقام خلالها الفلاحين الدروز حصارا حول الأديرة الكاثوليكية والبعثات وحرقوها وقتلوا رهبانها.
امتدت المجازر إلى زحلة واللاذقية في 8 تموز و -9 تموز. وفي دمشق نظمت جماعات شبه عسكرية درزية ومسلمة المذابح بالتواطؤ من السلطات العسكرية العثمانية، استمرت ثلاثة أيام (9-11 تموز)، قُتل خلالها 25,000 مسيحي بما في ذلك بعض أفراد البعثات الأجنبية بها كالقنصل الأمريكي والهولندي. تم في هذه الفترة حرق الكنائس والمدارس التبشيرية. وقام بعض المتنفذين من المسلمين بإنقاذ العديد من المسيحيين من أبرزهم عبد القادر الجزائري الذي آواهم في مقر إقامته وفي قلعة دمشق.
دمرت خلال هذه المجازر حارة النصارى في دمشق القديمة والتي كان يسكنها الكاثوليك وكانت تُقيم فيه الطبقة البرجوازية الصناعية التجارية بشكل كامل، بما في ذلك عدد من الكنائس القديمة، بينما نجا سكان حي الميدان الفقير خارج الأسوار والذي شكل الأرثوذكس معظم سكانه بسبب حماية جيرانهم المسلمين لهم.
تضع معظم المصادر عدد القتلى في لبنان بين 7,000 إلى 11,000 بينما تصل أخرى إلى 20,000 أو أكثر. وشملت 2600 نسمة في دير القمر و 1500 نسمة في جزين و 1000 في حاصبيا من الروم الأرثوذكس وفي راشيا 800 نسمة، وكانت الخسارة في الأملاك أربعة ملايين جنيه إسترليني ذهبي إلى جانب اعتناق قرى بأكملها للإسلام في الجليل الأعلى وصيدا وصور هربًا من الإبادة كما فتحت الأحداث باب الهجرة المسيحية من الشرق. وتذكر صحيفة ديلي نيوز الإنكليزية في تموز 1860 بهذا الصدد أن بين 7,000 و 8,000 قتلوا ورُمِّلت 5,000 امرأة ويُتِّم 16,000 طفلاً.
قدر المؤرخ جيمس لويس فارلي (ت. 1823)، أن الأضرار بلغت حوالي 326 قرية و -560 كنيسة و -28 مدرسة، و -42 ديراً و -9 مؤسسات دينية. ويضع شارلز تشرشل أعداد القتلى ب- 11,000 بالإضافة إلى 000 100 لاجئ وحوالي 20,000 أرملة ويتيم، كما دُمِّر حوالي 3,000 مسكن وقضى 4,000 نحبه جراء الفقر المدقع الذي تسببت به المجازر.
كما تكبد الدروز والمسلمين خسائر كبيرة كذلك. أما صناعتا الغزل والنسيج اللتان كانتا مزدهرتين في ذلك الوقت، وكان يعمل فيهما في دمشق ما يقرب من 20,000 شخص، فقد أصيبتا بالكساد؛ إذ كان المسيحيون حصراً هم الذين يديرون كلتا الصناعتين؛ حوادث 1860 سبَّبت أيضاً حركة هجرة مكثفة لعدد كبير من المسيحيين إلى بيروت والإسكندرية والقاهرة.
لقد كان أكثر هؤلاء المهاجرين يمثلون يداً عاملة ثمينة في أعمال وصناعات وحرف مختلفة يختص بها المسيحيون حصراً في دمشق، لقد سمحت «التنظيمات» العثمانية الصادرة عام 1839 لبعض الفئات المسيحية المميزة أن تشارك مشاركة فعالة في أكثر المجالات الإدارية والاقتصادية والثقافية.
ولكن حوادث 1860، إضافة لما سببته من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فقد أفسحت المجال للتدخل الأوروبي في الشؤون الداخلية للبلاد ولوضع يده على مرافق اقتصادية هامة، وكانت إحدى نتائج «التنظيمات» أيضًا السماح للأقلية المسيحية بإنشاء مدارس خاصة للتعليم ونشر الثقافة العربية والأجنبية.
وقد ظهرت نتيجة لذلك طبقة مسيحيّة مثقفة تتميز بمعرفتها الممتازة للغة العربية الفصحى. كما أن تعلم اللغات الأجنبية في معظم هذه المدارس سمح لاحقاً بترجمة الكثير من المؤلفات الأدبية الكلاسيكية من الفرنسية والإنكليزية إلى اللغة العربية.
تورط الوالي العثماني لا يعني بالضرورة تورط الدولة، فقد اتفق المؤرخون على ذلك.
هذا ما يترجم فعليًا بالإجراءات التي اتخذتها الدولة فقد عيّن السلطان عبد المجيد الأول، فؤاد باشا حاكمًا على الشام مخولاً بصلاحيات استثنائية، لرأب الصدع الذي حصل في المجتمع ولتفادي أي تدخل أوروبي.
تبقى هذه المجزرة من أبشع مجازر الشام التي قام بها الدروز ضد النصارى.