عرضت مرارًا وتكرارًا على الوزراء، وعلى لجنة الخارجية والأمن، وعلى الجيش الإسرائيلي "خطة الجنرالات". لكنها رُفضت – وبذلك ضاعت الفرصة لتجنيب مقتل مئات المقاتلين، ومنع مقتل آلاف المدنيين، وتحقيق صفقة شاملة لإطلاق سراح الأسرى قبل عام ونصف. لكن بدلاً من اختيار النصر، اختاروا الفشل.
الأسبوع الماضي، وبطريقة تبدو غير مصادفة، تعرضت لهجوم شخصي في القنوات 11 و12 و13. كانت المزاعم متطابقة: جيورا آيلاند قدّم نصائح سيئة، الجيش والمجلس الوزاري المصغّر (الكابينيت) أخذوا بها، فانطلق الجيش إلى عملية "مركبات جدعون"، وكانت النتيجة فشلًا عسكريًا وانهيارًا سياسيًا. لا توجد مزاعم أبعد عن الحقيقة من هذه، ومن المهم أن أشرح ذلك ليس فقط من أجل موقفي الشخصي – الذي له أهميته – بل لأن الشرح الذي سأقدّمه في هذا المقال يسلّط الضوء على نقاط مهنية في غاية الأهمية.
منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، اعتمدت الاستراتيجية التي قادها كل من الكابينيت والجيش على ثلاث فرضيات، كلّها كانت خاطئة:
الفرضية الأولى: "الضغط العسكري وحده سيؤدي إلى..." حسنًا، الضغط العسكري يقتل الناس (المسلحين والمدنيين على حد سواء) ويدمّر المباني والبنى التحتية. هذان هما الأمران اللذان لا يبالي بهما حماس إطلاقًا. يحيى السنوار بدأ الحرب وهو مستعد علنًا للتضحية بحياة مليوني فلسطيني في غزة من أجل هدف ديني مقدّس – تدمير دولة إسرائيل. وخلفاؤه في حماس ليسوا أقل تطرفًا منه. لذلك، فإن الضغط العسكري، رغم أنه يضر بقدرات حماس، لا يمكنه أن يدفع قيادتها للاستسلام أو حتى للتنازل.
الفرضية الثانية: أن احتلال الأرض، وتطهيرها، والتمركز فيها سيضغط على حماس. منذ حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات، وحرب الروس في أفغانستان في الثمانينيات، ووجود الجيش الإسرائيلي في لبنان من 1982 وحتى عام 2000، وتجربة البريطانيين والأمريكيين في العراق وأفغانستان – تبيّن درس واضح: البقاء الطويل والثابت لقوات الاحتلال داخل تجمع سكاني معادٍ سيؤدي دائمًا إلى هجمات دامية. هذه الحقيقة تنطبق بدرجة أكبر على غزة، فهي منطقة شديدة الكثافة السكانية، ولها ميزة خاصة وهي وجود شبكة الأنفاق تحت الأرض. لذلك، فإن أسلوب العمل الذي اختاره الجيش قبل "مركبات جدعون" وبعدها كان خاطئًا من الأساس.
الفرضية الثالثة – وهي فرضية الكابينيت (وليست الجيش) – أن بالإمكان خلق فصل بين السكان وحماس. وبالتالي، إذا أنشأنا مراكز توزيع غذاء للسكان، و"مدينة إنسانية" في جنوب القطاع، يمكننا عزل حماس وتجنب إيذاء المدنيين.
منذ الأسبوع الأول للحرب، أدركت أن الفرضيات الثلاث التي اعتمدت عليها إسرائيل خاطئة. إضافة إلى ذلك، فهمت أمرًا رابعًا وأهم: الشيء الوحيد الذي يمكنه الضغط على قيادة حماس هو أخذ أراضٍ. لكن أخذ الأرض لا يكون فعّالًا إلا إذا لم تبقَ فيها أيّ سكان على الإطلاق. على مدى التاريخ، لم يعطِ الزعماء العرب أي أهمية لإنقاذ الأرواح، بينما كانت الأرض دائمًا مقدّسة وأهم من كل شيء.
الفرصة لتنفيذ الخطوة الأكثر فاعلية في الحرب جاءت في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قبل 21 شهرًا. في ذلك الوقت، أنهى الجيش الإسرائيلي السيطرة على محور نيتساريم – وهو محور طوله نحو 10 كم يمر في منطقة خالية من السكان بين مدينة غزة الكبرى ومخيمات وسط القطاع. سيطر الجيش عليه بسهولة نسبيًا، ووسّعه بعرض 5 كم، ودمر كل ما فوق الأرض فيه، فخلق منطقة خالية من السكان وخالية من أماكن الاختباء. هذه السيطرة أكملت فعليًا تطويق شمال القطاع بأكمله.
كان ذلك تطويقًا لمساحة تعادل نحو 35% من إجمالي مساحة قطاع غزة. والأهم أنها المساحة الأهم بالنسبة للفلسطينيين، إذ تضم مدينة غزة، مركز حكم حماس. في تلك الفترة، أواخر 2023، كان في المنطقة نحو 300 ألف نسمة فقط، بينما كان هناك مليون آخرون قبل 7 تشرين الأول، لكنهم نزلوا جنوبًا بدعوة من الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. كانت هذه فرصة لتنفيذ الخطوة الحاسمة: تحويل التطويق إلى حصار. كان يمكن إبلاغ هؤلاء الـ300 ألف بأن عليهم التوجه جنوبًا عبر ممرات خروج آمنة، وفي كل الأحوال، اعتبارًا من الغد لن تُدخل أي إمدادات أو مياه إلى هذه المنطقة (فقط هذه المنطقة).
تجويع؟ نعم، تجويع المسلحين.
هذه الخطوة ليست فقط مجدية وفعالة، بل تتوافق تمامًا مع القانون الدولي. الأهم أنني استنسخت الفكرة من دليل البنتاغون. هناك كتاب من 1,200 صفحة يوضح كيف يجب أن يقاتل الجيش الأمريكي وفق القانون الدولي الإنساني، وفي الفصل الخاص بالحصار، يؤكد أنه يجوز تجويع العدو المحاصر حتى الموت، شريطة السماح للسكان المدنيين بالخروج في الوقت المناسب.