" روح الشرائع " للمفكر الفرنسي مونتسكيو.. يرسخ لفكرة نسبية القوانين وعدم قدسيتها..





كتب خالد بيومي 


                                        روح الشرائع    

                                   كتاب وكاتب ومترجم


                                              - أ-

هو بدون مبالغة كتاب من أهم الكتب التي صدرت بفرنسا فى القرن الثامن عشر، لم يؤلف من قبل مثله فى الغرب، وهو أبعد الكتب تأثيرا فيما جاء بعده من مؤلفات سياسية وقانونية، وقد استلهمت أفكاره عشرات الدساتير في كثير من بلدان العالم .

إنه كتاب "روح الشرائع" الذي يعد مشروع حياة مؤلفه الفيلسوف والمفكر الفرنسي البارون دو مونتسكيو ( 1689 – 1755 م ) ودرة نتاجه الفكري وزبدة تأملاته في الأوضاع السياسية الفرنسية والأوربية، وهو أيضا الكتاب الذي عده بعض النقاد أحد أعظم ثلاثة مؤلفات قادت الفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي في القرن الثامن عشر ؛ والكتابان الآخران هما "التاريخ الطبيعي"  لبيفون و"رسالة في العادات والأخلاق" لفولتير، لقد أنفق مونتسكيو في جمع مادة هذا الكتاب وتأليفه ما يقرب من عشرين عاما، وقد انتهي منه وهو قاب قوسين أو أدنى من العمى، فقد أجهد عينيه إلى أقصى حد في كتابته، ولذلك فإنه اضطر إلى إملاء الأجزاء الأخيرة منه إملاء.

وعن الجهد المضني الذي بذله مونتسكيو والسنوات الطويلة التي أنفقها في تأليف كتابه العمدة "روح الشرائع" يقول في تصديره للكتاب: "وما أكثر ما بدأت هذا الكتاب وتركته، وقد تركت للرياح ألف مرة ما كنت أكتب من الأوراق، و كنت أشعر بهبوط الأيدي الأبوية في كل يوم، وكنت أسير وراء هدفي من غير وضع مشروع، وكنت لا أعرف القواعد ولا الشواذ، وكنت لا أجد الحقيقة إلا لأفقدها، ولكنني عندما اكتشفت مبادئي أتاني ما كنت أبحث عنه، فأبصرت في غضون عشرين عاما بدء كتابي ونموه وتقدمه وتمامه".

والمادة الضخمة التي ألف منها مونتسكيو كتابه استقاها من عدة مصادر، فبعضها من قراءاته في كثير من مؤلفات المفكرين والفلاسفة الذين سبقوه من مثل: "الجمهورية" و"القوانين" لأفلاطون و"السياسة" لأرسطو  و"الحيوات" و"الأعمال الأخلاقية " لبلوتارخس و"الأمير" لماكيافلِّي و"المدينة الفاضلة" لتوماس مور وغيرها، وبعضها الآخر من سياحاته ومشاهداته في بعض البلدان الأوربية - النمسا وإيطاليا و ألمانيا والمجر وهولندا وإنجلترا - والأخيرة تمثل حالة خاصة لديه فقد كان معجبا إعجابا كبيرا بدستورها ونظامها الملكي، وكان مونتسكيو حريصا على أن يعرض أجزاء كتابه بعد الانتهاء من كتابتها على بعض من كان يثق بهم ويقدر آراءهم من أصدقائه ليستفيد من ملاحظاتهم .

ظهر كتاب "روح الشرائع" لأول مرة بجنيف عام 1748م تحت عنوان طويل هو "بحث في روح الشرائع أو في الصلة التي يجب أن تربط القوانين في كل أمة بنظام الحكم فيها وبتقاليدها ومناخها ودينها وتجارتها.." وقد أحدث الكتاب عند صدوره ضجة عظيمة في أوساط المفكرين الفرنسيين فقد انقسم المفكرون والفلاسفة ورجال الدين حول الكتاب ما بين مؤيدين يناصرون أفكار الكتاب ومعارضين يرفضون هذه الأفكار، وقد أجمع رجال الدين تقريبا على اختلاف نزعاتهم - من جزويت وجانسيانيين - على أن ما جاء بالكتاب من نظريات تتعلق بنشأة الفلسفة والدولة وأثر النظم السياسية على نشأة الأديان وما تدعوا إليه من نظم تتعارض مع نصوص الكتاب المقدس وتفسيراتها التي أقرتها الكنيسة، وقد اضطر مونتسكيو بسبب حدة الهجوم على كتابه إلى الدفاع عنه فألف كتابا بعنوان "دفاع عن روح الشرائع" صدر عام 1750م، وقد حسمت السلطات الدينية في فرنسا أمرها في الكتاب فانتهت إلى وضعه في قائمة الكتب السوداء المحظور تداولها وقراءتها، وكان رجال الدين قبل ذلك قد أصدروا بيانا يتهمونه فيه بالهرطقة وعدم الإيمان بالملائكة والرسل والوحي بوصفه واحدا من أتباع "الدين الطبيعي" الذين يعتقدون بوجود "ذات عليا" تدبر الكون على أساس عقلي صرف دونما حاجة إلى أنبياء ووحي ورسالات.

ومما هو جدير بالذكر أن مونتسكيو كان متوجسا إلى حد كبير من احتمال قراءة كتابه قراءة مبتسرة لأن هذا سيفضي - من وجهة نظره - إلى إساءة فهمه وعدم تقدير قيمته تقديرا صحيحا، لذلك أعرب في مقدمة الكتاب عن رجائه - مع خشيته عدم تحقق هذا الرجاء - ألا يحكم قارئ عابر على عمل استغرق إنجازه عشرين عاما، وأن يقبل القارئ هذا المؤلَّف أو يرفضه جملة، ولا يقتصر على قبول أو رفض عدة جمل منه، لأن الإنسان إذا أراد أن يفهم فكرة المؤلف فلن يستطيع - حسب وجهة نظره - الوصول إليها إلا إذا فهم تفكيره كله.

ويعتقد مونتسكيو أن القوانين تشكل الأساس الذي تبنى عليه كل الأشياء المتعلقة بالإنسان والطبيعة والمقدسات، وفي رأيه أن اكتشاف هذه القوانين هو أحد واجبات الفلسفة الرئيسية، وإذا كان من الصعب قديما دراسة الطبيعة البشرية لأن القوانين التي تحكمها معقدة فإن مونتسكيو كان يعتقد أنه على الرغم من ذلك يمكن اكتشاف هذه القوانين بالطريقة التجريبية، كما كان يعتقد أنه بالرغم من التنوع الكبير في النظم والمؤسسات الاجتماعية فإن ظهورها ليس عرضيا أو تعسفيا ذلك لأن كل ما يتحرك في هذا العالم يخضع لقوانين ثابتة لا تتغير، كان مونتسكيو أيضا يعتقد أن معرفة القوانين تخفف وتلطف من أدواء المجتمع وتجعل الحياة أيسر وأفضل.

ويمكن القول إن مونتسكيو فضل أن يكون تاريخيا تجريبيا من خلال بحثه عن العلاقات الضرورية النابعة من طبائع الأشياء من خلال تطبيق منهج "نيوتن" العلِّي على ظاهرة الحضارة الإنسانية، وهو في هذا الصدد يقول: "ولا يتضح كثير من الحقائق هنا إلا بعد أن تُرى السلسلة التي تربطها بحقائق أخرى، وكلما أُنعم النظر في التفاصيل أشُعر بصحة المبادئ، ولم آت بجميع هذه التفاصيل مع ذلك، فمن ذا الذي يستطيع قول كل شيء من غير ملل طويل؟".

ويميز مونتسكيو  بين عدة أنواع من القوانين:

1. القانون الطبيعي أو الحقوق الطبيعية لكل البشر بوصفهم مخلوقات عاقلة.

2. قانون الأمم وهو الذي يحكم علاقات الدول ببعضها البعض.

3. القانون السياسي وهو الذي يحكم العلاقات بين الأفراد والدولة التي ينتمون إليها.

4. القانون المدني وهو الذي يختص بعلاقات الأفراد مع بعضهم البعض داخل وطنهم.

وتكمن أهمية "روح الشرائع" بالنسبة لمؤلفه في أنه الكتاب الذي استحق بسببه أن يوصف ويلقب بالعديد من الأوصاف والألقاب التمجيدية فهو فيلسوف الحرية، وهو أرسطو علم الاجتماع، وهو الواضع الحقيقي لعلم السياسة والاجتماع في العصر الحديث، وهو مؤسس الفلسفة السياسية، وهو رائد المنهج العلمي في دراسة التاريخ والسياسة، وهو أحد الآباء الرواد للعقلية الديموقراطية الحديثة .. إلخ، أما بالنسبة للفكر والثقافة فإن الكتاب كما يقول مترجمه عادل زعيتر "يعد السفر الجامع لفلسفة الاشتراع وحكمة التاريخ والفقه الدستوري"، وهو الكتاب الذي انتزع به مونتسكيو علمي السياسة والتاريخ من براثن التصورات الميتافيزيقية ووضعهما على مسار المفهوم الصحيح للعلم، إنه في الواقع - بحسب كلام الدكتور حسن شحاتة سعفان - "أول كتاب وضع الأسس التي قام عليها علم الاجتماع من حيث هو علم يدرس الظواهر الاجتماعية على غرار ما تفعله العلوم الطبيعية في دراستها للظاهر المادية".

وخلاصة ما توصل إليه مونتسكيو في مؤلَّفه العظيم أن "روح الأمة وطبائعها تؤثر تأثيرا حاسما في تشكيل القوانين وأنظمة الحكم وهذه الروح هي حصيلة العوامل الطبيعية: الجغرافية والمناخية وغيرها"، والقارئ المثقف لكتاب "روح الشرائع" يستطيع بسهولة ويسر اكتشاف الصلة الوثيقة بين أفكار الكتاب الأساسية والحالة السياسية والاقتصادية في أوربا إبان القرن الثامن عشر وفي فرنسا على وجه التحديد حيث ظهر مركز الثقل الجديد للفلسفة والسياسة الذي كان قد بدأ يتحول من لندن إلى باريس مع نهاية القرن السابع عشر وحيث كان نظام الحكم المطلق قد أخذ في التدهور والتداعي وكذلك النظم الغربية المشابهة، وحيث انتشر الكثير من النظريات السياسية والاجتماعية التي أخذت تناقش بشيء من الحرية والجرأة وعلى أساس من العقلانية ونزعة التنوير مختلف القضايا، ومما يؤكد سيطرة العقلانية ونزعة التنوير على فكر مونتسكيو أنه كان يرى أن القانون بشكل عام ما هو إلا العقل البشري متحكما بكل شعوب العالم، ولذا فعلى القوانين السياسية والمدنية في كل مجتمع أن تكون الحالات الخاصة التي يطبق فيها هذا العقل البشري، وبذلك يؤكد مونتسكيو أن العقل هو مصدر الشرائع والقوانين التي تحكم العلاقات بين البشر، وهذه الشرائع والقوانين قابلة للتعديل والتبديل بتغير الزمان والمكان.

 ويحتوي كتاب "روح الشرائع" على واحد وثلاثين بابا قسمها مونتسكيو  إلى ستمائة فصل وخمسة كشف خلالها عن العوامل الرئيسية التي تتوقف عليها معيشة الأمم أي تلك الظروف التي تتشكل في مناخها أنماط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتربوية، ويكاد يكون استغرق الأبواب العشرة الأولى من الكتاب في تعريف القارئ ماهية القوانين التي كان يراها بمثابة "علاقات ضرورية بين الأشياء" لا يمكن الاستغناء عنها، وهي مشتقة من طبائع تلك الاشياء بمعنى أن لكل مجال قوانينه الخاصة به، فللعالم فوق المادي قوانينه وللعالم المادي قوانينه وللعقول أو الموجودات الذهنية التي تعلو على مستوى الإنسان قوانينها وللحيوانات قوانينها وللإنسان قوانينه، وقد تناول مونتسكيو في كتابه بالشرح الفرق بين ثلاثة أنماط من أنظمة الحكم: النظام الديكتاتوري والنظام الملكي والنظام الجمهوري، فالنظام الديكتاتوري - حسب تعريف مونتسكيو  له - هو النظام الذي يحكم فيه الفرد دون حدود قانونية ويثبِّت فيه حكمه عن طريق إرهاب المدنيين وإشاعة الخوف بينهم، وقد اعتبر مونتسكيو الديكتاتورية نظاما كله مثالب وعيوب وخلو من أية مزايا حسنة تذكر، وإذا كان مقياس تطور القوانين وتقدمها لدى مونتسكيو هو ما تتيحه هذه القوانين من الحرية للأفراد فإن الحد الأدنى لهذه الحرية عنده يوجد في ظل النظام الديكتاتوري الذي تتصرف فيه السلطات بطريقة تعسفية فجة تماما، وفي مثل هذا النظام يرى مونتسكيو أن حرية الأفراد قد تصل إلى حد التلاشي والزوال فيقول "إن الدكتاتورية تدمر الحرية وتشل نشاط المواطنين، وهذا يؤدي بدوره مع مرور الزمن إلى انتشار الخضوع والخنوع بين الجماهير وتجعل الفقراء عالة على الدولة، وتضعف الأخلاق بسبب سوء توزيع الثروة وانتشار الفسق والفجور، وتتسبب الديكتاتورية في فساد رجال الإدارة وزيادة الضرائب وتدفع الفلاحين إلى هجرة مزارعهم و التخلي عن حقولهم، كما تستنزف الديكتاتورية الحيوية العسكرية للدولة فتجعل الحكومة المدنية تحت سيطرة العسكر ويصبح هم الجيش تنصيب الحكام وخلعهم بدلا من حماية أمن البلاد"، والنمط الثاني من أنماط الحكم هو النظام الجمهوري الذي يحكم فيه الشعب أو ممثلوه، وما يعد فضيلة في النظام الجمهوري - بحسب وجهة نظر مونتسكيو  - هو حب الوطن الذي يعتبره مرادفا لحب المساواة وهي ليست فضيلة خلقية ولا مسيحية (دينية) مطلقا بل هي فضيلة سياسية وهي ميكانزم (آلية) عمل الحكومة في النظام الجمهوري، وكثيرون ممن قرأوا كتاب روح الشرائع تصوروا خطأ أن النظام الجمهوري هو النظام الأفضل من وجهة نظر مونتسكيو ولكن هذا ليس صحيحا فهو في الواقع كان ميالا إلى النظام الملكي الدستوري، فقد كان - كما سبق أن ذكرنا - معجبا إعجابا خاصا بالنظام الملكي الدستوري في إنجلترا ولكنه على الرغم من ميله إلى النظام الملكي كان كثيرا ما يحذر من أن هذا النظام مهدد بأن يصيبه الفساد ومعرض للتحول إلى نظام استبدادي لاسيما إذا اعتقد الملك في هذا النظام أن قوته الحقيقية تكمن في مدى قدرته على خرق القوانين وتجاوزها لا الالتزام بها والتصرف على أساسها، ولهذا أكد مونتسكيو ضرورة أن يكون في النظام الملكي مجلس ذو نفوذ وسلطة موازية لنفوذ وسلطة الملك وأن تكون مهمة هذا المجلس مراقبة مدى احترام الملك للقوانين، وتأسيسا على ذلك فإن مونتسكيو لم يكن في الواقع - كما يريد الكثيرون أن يتصوروه - مفكرا ثوريا بالمعنى الشائع للكلمة فهو لا يكتب من أجل توجيه اللوم والنقد اللاذع إلى الأنظمة القائمة وتبكيتها بل من أجل شرحها وتفسيرها، يقول: "لا أكتب مطلقا لأبكِّت ما هو مستقر بأي بلد كان، وستجد كل أمة علل قواعدها هنا"، وإن كان هذا لا يمنع من كون كتاباته - و"روح الشرائع" منها على وجه التحديد - تصور ما كان يتفاعل في أعماق المجتمع الأوروبي والفرنسي بصفة خاصة من آراء وأفكار دفينة، ولا شك في أن الناس قد أقبلت على كتابات مونتسكيو وقرأتها بشغف لأنها ببساطةكانت تعبر عن أشواقهم وتطلعاتهم إلى التغيير، ولذا فمما لا يثير أدنى عجب أن يطبع "روح الشرائع" اثنتين وعشرين مرة خلال عام واحد بعد صدوره، كما لا يمنع هذا من كون مونتسكيو أحد الرافضين العظام لجميع أشكال الفكر القائم على خنق الحريات، وأحد المناهضين الكبار لمختلف مظاهر التطرف والإفراط في كل شيء.

ويرى بعض المفكرين أن أهم فكرة وردت بـ"روح الشرائع" هي فكرة "نسبية القوانين" وعدم قدسيتها فما هو صحيح اليوم أو مكتمل قد يغدو في يوم آخر خطأ أو ناقصا، ويرى آخرون أن أهم فكرة في الكتاب هي فكرة "ضرورة فرض الإصلاح" وهو ما يعرف عند مونتسكيو بالقطيعة مع ما سبق من أوضاع، ويرى فريق ثالث أن الفكرة الأهم في روح الشرائع هي قول مونتسكيو بأن "العوامل الطبيعية والجغرافية والمناخية وليس الأخلاقية أو الميتافيزيقية هي التي تؤثر تأثيرا كبيرا في تشكيل القوانين"، ولكن أعضاء هذا الفريق يبدو أنهم نسوا أن مونتسكيو لم يغفل تأثير العامل الأخلاقي في تشكيل القوانين السياسية والمدنية السائدة فقد نظر إلى نمط الحكم الذي يفرزه المجتمع ويعبر بشكل أو بآخر عن أخلاقه بوصفه أحد العوامل الرئيسية في تشكيل القوانين، لكنَّ ثمة فريقا رابعا يرى أن أهم فكرة جاء بها مونتسكيو في كتابه هي فكرة "الفصل بين السلطات"، هذه الفكرة المدهشة التي تعد الأساس في نظام الحكم الديمقراطي، ويرفض فريق خامس كل ذلك ويرى أصحاب هذا الفريق أن فكرة "الحرية" هي أهم أفكار مونتسكيو في "روح الشرائع"، بل إنها حجر الزاوية في تفكيره وهي وفق تعريفه لها بأنها "حق الأفراد في ممارسة ما تتيحه أو ما تسمح به القوانين" وأن مقياس تطور القوانين يكمن في مدى ما تتيحه للفرد في الدولة من حرية، وفي سياق هذا المفهوم كان مونتسكيو يرى أنه في حالة التعدي على ذلك فلا حرية مكفولة ولا حقوق مصونة إذ لن يتبقى عندئذ حرية يمكن اللياذ بها أوالالتجاء إليها لأن الآخرين سيكون لهم نفس الحق أيضا، ومن ثم فإن كل الأفكار المهمة التي وردت في كتاب "روح الشرائع" في رأي أعضاء هذا الفريق لا تعدو كونها روافد فرعية لهذه الفكرة الرئيسية.

كان مونتسكيو يرى أن على كل نظام حكم أن يسعى إلى ضمان حرية أفراد الشعب الذي يحكمه، ولأن مونتسكيو كان يؤمن أن من يحوز السلطة المطلقة فإنه غالبا يميل إلى إساءة استخدامها، ومن أجل الحيلولة دون حدوث ذلك لم يكن ثمة بد - في رأيه - من مواجهة السلطة بالسلطة ذاتها وهذا ما يقتضي توزيعها على مراكز مختلفة في الدولة بحيث لا يحتكر مركز واحد السلطة و وظائفها، وقد اهتدى مونتسكيو بتفكيره إلى أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالفصل بين السلطات الثلاث في الدولة: التشريعية والقضائية والتنفيذية فصلا فعليا لا نظريا، وقد نبه إلى ضرورة أن يكون هناك توازن بين هذه المراكز أو السلطات حتى لا تطغى سلطة على الأخرى فهذا ما يمهد الطريق لنشأة مجتمع مدني لهذا النظام المعتدل في الحكم.

ويعد مونتسكيو في كتابه "روح الشرائع" من أهم المناهضين لجميع أشكال الاضطهاد ومحاكم التفتيش والحروب الدينية ومن أشد المناصرين للسلام الاجتماعي والتسامح الديني، ولذلك نجده يضع على عاتق الدولة التي تعاني من مشاكل ناتجة عن التعصب الديني والتطرف مسؤولية فرض هذا التسامح عن طريق القانون فيقول: "إذا رأت قوانين دولة معاناة أديان كثيرة وجب عليها أن تلزم هذه الأديان بالتسامح نحو بعضها بعضا، ومن المبادئ أن يصبح كل دين "مزجورا و زاجرا" في نفس الوقت، وذلك أنه إذا استطاع الخروج من دائرة الضغط مصادفة لم يلبث أن يهاجم الدين الذي ضغطه عن طغيان لا عن دين" ويستطرد في هذا السياق قائلا: "ومن المفيد إذن أن يطلب من هذه الأديان المختلفة ألا يكدر بعضها صفو بعض فضلا عن عدم تكدير صفو الدولة، ولا يعد المواطن مطيعا للقوانين مطلقا باقتصاره على عدم تكدير كيان الدولة بل يجب عليه أيضا ألا يكدر صفو أحد من المواطنين أيا كان".

و رغم ما حازه "روح الشرائح" من مدائح و تقريظات إلا أنه لم يسلم من النقد فهو في رأي البعض كتاب غير متناسق ولا يدور حول موضوع واحد بل هو متن يضم مجموعة كبيرة من الأقوال والفقرات والحكم والأفكار التي تبدو للقارئ مشتتة لا يربط بينها رابط متين، حتى وإن كانت تتميز جميعا ببعد النظر ومعرفة أفضل الطرق للوصول إلى موضوعها، وبعض فقرات الكتاب تمتد وتتسع حتى إنها لتشغل عدة صفحات بينما لا يتجاوز بعضها الآخر جملة واحدة وينقل إبراهيم العريس عن الباحث السوفيتي فولجين - وهو صاحب واحد من أشهر الكتب التقدمية عن عصر التنوير - قوله: "إنه يصعب أحيانا على القارئ إدراك الصلة التي تجمع بين فصل وآخر من فصول الكتاب" مؤكدا أن "المؤلف كان ينسى نفسه أحيانا في سعيه نحو شرح أفكاره باللجوء إلى الأمثلة ولذلك كان كثيرا ما يجنح ويشت عن موضعه"، ويلتمس عادل زعيتر لمونتسكيو العذر في الغموض والالتباس اللذين يشيعان في كثير من المواضع في الكتاب وفي التعقيد الذي يصم الكثير من جمله وعباراته بأن الكتاب ألفه صاحبه في "عهد ملك عضوض وفي زمن كان الاعتقال والسجن والقتل جزاء من يبدي رأيا صريحا يهدف إلى تغيير النظام السياسي أو تعديله" ويسمي عادل زعيتر العصر الذي ظهر فيه الكتاب في خاتمة مقدمته لترجمته بـ "عصر الاستبداد".

ومما هو جدير بالذكر أن بعض النقاد أثنوا على سمة أسلوبية لفتت انتباههم في بعض مؤلفات مونتسكيو ككتاب "الرسائل الفارسية" وكتاب "روح الشرائع" عمدة مؤلفاته، فمونتسكيو حريص في أسلوب كتابته على مراعاة التناسق بين أصوات الألفاظ والمقاطع الكلامية المختلفة فيجد قارئ الكتابين في لغتهما الأصلية (الفرنسية) نبرة موسيقية واضحة في الجمل والعبارات، وقد كتب أ. شريل عن "فن مونتسكيو الغنائي في النثر" - وبحسب كلام الدكتور حسن شحاتة سعفان - فقد بين عبر صفحات كاملة مختارة من مقدمة كتاب "روح الشرائع" كيف أن جمله وعباراته بمثابة أبيات من الشعر المنثور وأشد ما تكون هذه السمة وضوحا في الفصول الآتية من الكتاب: 6، 10، 15، 19، 25، 28، هذا بالإضافة إلى ما يزخر به أسلوب كتابته في تلك المؤلفات من مجاز وتشبيهات واستعارات. 


                                                 - ب -

هذا عن الكتاب، فماذا عن مونتسكيو مؤلفه العبقري؟

إنه تشارلز دو سكوندا الذي كان يعرف في صباه بمسيو دو لابريد والذي تلقب فيما بعد بالبارون دو مونتسكيو، ولد ببلدة "لابريد" بالقرب من "بوردو" في مقاطعة "مونتاني" جنوب غرب فرنسا في 18 يناير 1689م.

كانت أسرة مونتسكيو أسرة غنية أرستقراطية تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي وكان أبوه جاك دو سكوندا ضابطا ينحدر من سلالة طويلة من النبلاء، وكان عمه جان بابتست الذي ورث عنه لقب "البارون" رئيسا لبرلمان "بوردو".

أرسله والده في صغره إلى مدرسة على بعد عشرين كيلومترا من باريس تعرف باسم "جويلِّي" وهي مدرسة تديرها جماعة دينية تعرف بـ"الأوراتوريانز" أي الخطابيين، وفي هذه المدرسة مكث خمس سنوات تعلم فيها مونتسكيو اللغة اللاتينية التي مكنته فيما بعد من دراسة القانون الروماني، عندما بلغ سن السادسة عشرة من عمره أي عام 1705م، ثم انتقل إلى مدينة "بوردو" لدراسة القانون حيث حصل على ليسانس القانون وتخرج فيها عام 1708م، وغادر بعد ذلك إلى باريس ليتدرب فيها على ممارسة مهنة المحاماة، واستغرقت هذه الفترة ما يقرب من أربع سنوات (1709 – 1713 م)، وخلال ذلك أتيح لمونتسكيو الاتصال بكثير من طليعة الفلاسفة والمفكرين والأدباء المعاصرين له مثل ديدرو وفولتير وهلفسيوس وغيرهم، كما اطلع على الكثير من الأفكار والقضايا والموضوعات التي كانت محورا للنقاش والجدل والخلاف بين المثقفين في ذلك الوقت.

عاد مونتسكيو بعد هذه السنوات الأربع إلى "بوردو" حيث عمل أستاذا بأكاديميتها ولينضم بعد وفاة عمه سنة 1716م إلى برلمان "بوردو" خلفا له وليظل رئيسا لهذا البرلمان لاثنتي عشرة سنة تقريبا كما أصبح عضوا بالأكاديمية الفرنسية عام 1728م، وكان قد انتخب عضوا بها قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ ولكن الملك رفض عضويته محتجا بأن مونتسكيو ليس من المقيمين بباريس.

وخلال السنوات من 1728 م حتى 1731م قام مونتسكيو بجولة في بعض البلدان الأوربية فزار النمسا والمجر وإيطاليا وألمانيا وهولندا وإنجلترا، وقد اهتم في خلال تلك السنوات اهتماما كبير بدراسة أنماط الحكم المختلفة في تلك البلدان وتقاليد شعوبها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية، كما اهتم أيضا بدراسة تأثير البيئة على عادات وتقاليد السكان، وتواصل خلال هذه الجولة بشكل مباشر وغير مباشر مع كثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة الأوروبيين من أمثال هيوم ووالاس ولوك ونيوتن وغيرهم، إلا أن ما هو جدير بالذكر أن مونتسكيو في إنجلترا على وجه التحديد لذ له المقام فعقد أواصر الصداقة مع مجموعة من سراة القوم، وأصبح عضوا بالجمعية الملكية بلندن، واستقبله الملك جورج الثاني وزوجته الملكة كارولين في بلاطهما، وحضر عددا من جلسات البرلمان البريطاني، ومن ثم فلا عجب أن يصبح من أشد المعجبين بالنظام الملكي الإنجليزي.

وبعد عودته من هذه الرحلة الطويلة نسبيا تفرغ مونتسكيو لتأمل المادة المعلوماتية الضخمة التي جمعها في أثناء تلك الرحلة ودراستها، وعكف على كتابة "روح الشرائع" منذ عام 1734م حتى عام 1748 م وهو تاريخ صدور الكتاب لأول مرة.

قبل "روح الشرائع" ألف مونتسكيو عدة كتب على الرغم من القيمة الفكرية الكبيرة لبعضها إلا أن أهميتها الحقيقية تتمثل في أنها بمثابة مقدمة لـ "روح الشرائع"، ومن هذه الكتب "ملاحظات عن عظمة الرومان وانحطاطهم" عام 1716م، وقد تناول فيه بالدرس والتحليل العوامل التي كانت وراء قيام وازدهار الإمبراطورية الرومانية وكذلك العوامل التي أدت إلى تدهورها وانهيارها، وكتاب "تأملات فارسية" عام 1721م وهو كتاب ساخر نشره مونتسكيو باسم مستعار لسائحين فارسيين يزوران فرنسا (ميرزا وأوزبك) وراح ينتقد من خلاله بطريقة تهكمية سخافة المجتمع الفرنسي آنذاك، وكشف فيه عن كثير من نقاط الضعف والأهواء والتحيزات عند الفرنسيين، وفي الوقت نفسه أخذ يسخر من حماقات السلوك والمعتقدات الشرقية، وقد جلب له هذا الكتاب شهرة واسعة، وقبل أن يؤلف مونتسكيو هذا الكتاب كان قد انخرط في دراسة العلوم والرياضيات التي شغف بهما شغفا كبيرا، وعندما انضم إلى أكاديمية بوردو عام 1716م أنشأ معملا بالأكاديمية راح يجري فيه بعض التجارب على الحيوانات من أجل تفنيد ودحض "نظرية الحيوانات الآلية" التي سيطرت على عقول الناس في القرن السابع عشر ومفادها أن الحيوانات لا أرواح لها وإنما هي مجرد آلات جيدة أتقن صنعها، ومن ثم فهي لا تشعر بالألم، وقد استفاد مونتسكيو من دراسته للعلوم ومن تجاربه العلمية، ولولا ذلك لظل أسيرا لحالة الإلحاد التي تلبسته سنوات طويلة فعاد إليه إيمانه بالله من خلال هذه الأبحاث والتجارب، بعد أن كان يرى أن الدين أضاليل وضرب من الأوهام، وقد عبر عن ذلك الإيمان في رسالة له عام 1716م كتبها عن سياسة الرومان تجاه الدين حيث يقول: "إن الدهشة تملأ عقل الفيلسوف كما تملأ قلبه عظمة الله عندما يعرف الطريقة التي تعمل بها عضلة واحدة من عضلات الجسم".

 وقد أفادت الدرسات العلمية والتشريحية التي قام بها مونتسكيو في فهمه الدقيق لأسس السلوك التي تنبني عليها العبادات والتقاليد، كما أنه استعان بها في تفسير كثير من الظواهر التي تناولها فيما بعد في كتابه "روح الشرائع".

وعلى الرغم من أن مونتسكيو كان أرستقراطيا ثريا ورث مساحات كبيرة من الأراضي عن أبيه وعمه، واشترى هو مساحات أخرى أضافها إلى أراضيه الموروثة، وعلى الرغم من ارتباطه الشديد بهذه الأراضي التي كانت مساحات كبيرة منها مزروعة بالكروم كانت تدر عليه دخلا ماليا ضخما إلا أنه لم يكن ينظر إلى المال بوصفه غاية وهدفا وإنما بوصفه وسيلة لحيازة هامش أكبر من الاستقلالية التي لا بد منها لكي يعمل العقل في حرية، وقد كان بإمكان مونتسكيو في الواقع أن يحصل على جميع ألقاب الشرف والجاه في منطقته قبل أن يبلغ سن الثلاثين من عمره، لكن الهم المعرفي لديه كان أكبر وأهم.

و يعد مونسكيو الملكية في كتاب "الرسائل" نظاما شاذا غير سوي وتنبأ لهذا النظام بأنه سيؤول حتما إلى حكم استبدادي مطلق، الحاشية فيه فاسدة؛ والنبلاء خاملون ومبذرون يسيئون إدارة أموال الدولة، وفي الكتاب أيضا راح مونتسكيو يسخر من الاضطهاد العنصري ومن حياة الرهبان والمذاهب المسيحية المتصارعة.

وقد ترجم مونتسكيو عام 1725م قصة يونانية لكاتب قديم غير معروف بعنوان "معبد أجنيد"، ويقال إنه ترجمها بناء على طلب من أخت الدوق دو بوربون الذي كان رئيس وزراء فرنسا 1723م، ويقال أيضا إن مونتسكيو عندما انضم إلى مجمع الخالدين عام 1728م كان ذلك بوساطتها، وفي هذه القصة التي لم يجد مونتسكيو حرجا في إضافة أجزاء من خياله إليها راح يهاجم الأخلاق النسائية في ذلك العصر الذي شاعت فيه العلاقات الغرامية خارج مؤسسة الزواج الشرعية فيما يعرف باسم الثالوث غير المقدس (الزوج والزوجة والعشيق أو العشيقة)، وأخذ يشيد بالحب الطاهر النقي ويعلي من قيمة العلاقات الزوجية المؤسسة على الطهارة والعفة لدى الزوجين.

وفي عام 1725م ألقى مونتسكيو في برلمان "بوردو" بوصفه رئيسا له خطبة افتتاحية قيمة أحدثت صدى بعيد المدى في الأوساط السياسية والقانونية إذ إنه شن فيها حملة شعواء على ما تفشى في فرنسا آنذاك من اتجار بالمناصب القضائية ومن عمولات ورشا، وندد بجهل القضاة وافتقارهم إلى أخلاق التجرد والحياد والنزاهة، كما طالب في خطبته بسن قانون عام يطبق في فرنسا على جميع المواطنين بدون تفرقة أو تمييز، فقد شاعت بفرنسا إبان ذلك فوضى عارمة فيما يتعلق بالقضاء وتطبيق القانون، فكل قاض كان يحكم في منطقته حسب ما هو سائد فيها من العادات والتقاليد ودون أية مرجعية من قواعد أو أصول قانونية مما أدى إلى فساد العدالة، وانتقد مونتسكيو في خطبته تلك ما كانت تعاني منه إجراءات التقاضي والمحاكم من تراخ شديد كان العامل الرئيسي المسؤول عن تأخير البت في القضايا وكان لهذا بالطبع أثره السلبي في غياب العدالة، لقد استطاع مونتسكيو من خلال خطبه أو أحكامه القضائية أن يلفت الأذهان بقوة إلى ضرورة إصلاح نظام القضاء بفرنسا آنئذ.

ثم ألف بعد ذلك كتاب "الملكية العالمية" عام 1734م وفي هذا الكتاب صنف مونتسكيو شعوب العالم إلى شمالية وجنوبية، وعزى سمات كل منهما والفوارق بينهما إلى العوامل المناخية.

وقد ألف مونتسكيو  بعد انتهاء الضجة الكبيرة التي أحدثها ظهور "روح الشرائع" كتابا ضخما بعنوان "أفكاري"  يعتبر بمثابة سيرة ذاتية له، كما دبج مجموعة من القصص وعددا كبيرا من الرسائل، وقد نشر هذا التراث بعد وفاته عن عمر يناهز ستة وستين عاما في 10 فبراير عام 1755م.


                                                 - ج -

أما بشأن المرحوم عادل زعيتر مترجم الكتاب فقبل أن نتحدث عنه ينبغي أن نشير - بحسب بعض الأقوال - إلى أن أول من قام بترجمة هذا الكتاب عن الفرنسية هو رائد النهضة الثقافية العربية الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي، ولكن ترجمته لم تطبع حتى الآن مما يشكك في أنها تمت أصلا،وعلى أية حال - فسواء أصح القول بأن الطهطاوي ترجمها أم لم يصح؟ - فإن الكتاب لم يعرف في الثقافة العربية بحق وعن حق إلا من خلال ترجمة الأستاذ عادل زعيتر التي أنجزها بتكليف من منظمة اليونسكو في النصف الأول من عقد الخمسينيات.

ولد عادل زعيتر شيخ المترجمين العرب عام 1895م بمدينة نابلس في بيت علم ودين وسياسة وقانون، كان والده قاضيا وشغل قبل أن يتوفاه الله تعالى عام 1924م منصب رئيس بلدية نابلس، أما أخوه الأصغر أكرم زعيتر فهو أديب ومؤرخ وسياسي عمل في عدة مناصب سياسية ودبلوماسية رفيعة فكان سفير الأردن في عدة عواصم عربية، كما عين وزيرا للبلاط الهاشمي وانتخب رئيسا للجنة الملكية لشؤون القرى وعضوا بمجلس الأعيان الأردني، ولأكرم زعيتر عدة مؤلفات تدور حول قضية فلسطين.

تلقى دروسه الأولى بـ"مدرسة النجاح الوطنية" بنابلس واستكمل دراسته بالمكتب السلطاني في بيروت ثم الجامعة السلطانية بإسطنبول، وعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى التحق عادل زعيتر بالجيش العثماني ضابطا احتياطيا إلا أنه ترك الجيش العثماني حين نشبت الثورة العربية الكبرى عام 1919 م، وانضم إلى الفيلق العربي الذي كان يقوده الأمير "فيصل بن الحسين" فلما انتهت الثورة إلى ما انتهت إليه شد عادل زعيتر رحاله إلى القاهرة للدراسة، بيد أنه سرعان ما عاد إلى بلدته "نابلس" عقب احتلال القوات البريطانية لها، وفي عام 1921م سافر إلى "باريس" حيث التحق بكلية الحقوق في جامعة "السوربون" فحصل منها على ليسانس الحقوق عام 1925 ولما عقد العزم على نيل درجة الدكتوراه أخذ يتأهب لذلك إلا أن الرياح أتت بما لم تشته السفن، فقد توفي والده فجأة مما اضطره للعودة إلى فلسطين، واستقر به المقام في بلدته "نابلس" حيث اشتغل بالمحاماة وكان يقوم بالتدريس في معهد الحقوق بالقدس، وإلى جوار عمله بالمحاماة والتدريس شرع في تحقيق حلمه وتنفيذ مشروعه الطموح للترجمة، وقد كانت البداية الأولى لمشروعه حين كان طالبا بكلية الحقوق في "السوربون" فقد  ترجم كتابي "روح السياسة" و"روح الاشتراكية" لـجوستاف لوبون ولكنهما لم يطبعا إلا عامي 1947 و1948عندما أعاد النظر مليا في الترجمتين، وتمثلت البداية الثانية لمشروعه في ترجمته لكتاب "أصول الفقه الدستوري" للدكتور  إيسمان الذي تتلمذ على يديه بالكلية، وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1945م، وفي هذا العام أيضا صدرت ترجماته للكتب المهمة الآتية: "العقد الاجتماعي" و"أصل التفاوت بين الناس" لجان جاك روسو و"اليهود في تاريخ الحضارات" لجوستاف لوبون، وفي عام 1946م صدرت ترجماته للكتب الآتية: "روح الثورات" و"الآراء والمعتقدات" لجوستاف لوبون، و"نابليون" لإميل لودفيج، وفي عام 1947م صدر من مترجماته: "روح السياسة" لجوستاف لوبون و"ابن الإنسان" لإميل لودفيج و في عام 1948م صدر من مترجماته أيضا: "الهند" و"روح الاشتراكية" لجوستاف لوبون، و"تاريخ العرب العام" لسيديو، وعندما طلق عادل زعيتر مهنة المحاماة عام 1948م من أجل أن يتفرغ للترجمة مشروع حياته والرسالة السامية التي اضطلع بها وألزم نفسه بأدائها على أكمل وجه إلى آخر يوم في حياته كتب إلى أخيه أكرم رسالة يقول فيها: "لقد بلغت التاسعة والأربعين من عمري وأصبحت بذلك على أبواب الخمسين، ولا أدري ما تبقى لي من العمر، يكاد قلبي يتحرق من أنني لم أقم بشيء مما تطمئن به نفسي في عالم العلم والسياسة، فترونني لذلك عازما على تطليق المحاماة وسلوك السبيل الذي كتبت لك عنه".

 وتوالت بعد ذلك مترجماته التي يقرب عددها من أربعين كتابا من أمهات الكتب في الثقافة الغربية عن جوستاف لوبون و ميل لودفيج وجان جاك روسو وفولتير والبارون كرادفو وأرنست رينان وفرانسوا فيلون وإميل درمنجم وجاستون بوتول وإيسمان و أناتول فرانس، وقد صدرت ترجمته لكتاب "روح الشرائع" لمونتسكيو عن دار المعارف بالقاهرة: الجزء الأول عام 1953م والجزء الثاني 1954م، وكانت هذه الترجمة - كما أسلفنا - بتكليف من منظمة اليونسكو.

كان عادل زعيتر يتقن أكثر من لغة غير لغته العربية هي: التركية والفرنسية والإنجليزية والألمانية إلا أن معظم مترجماته كانت من اللغة الفرنسية ثم الألمانية.

ويعد عادل زعيتر واحدا من أعظم وأدق المترجمين العرب في العصر الحديث، لم يكن مجرد ناقل كتب من لغة أجنبية إلى اللغة العربية فقد كان مثقفا واسع الثقافة لذا فهو لا يختار من الكتب ليترجمها إلا الأعمال الفكرية العظيمة التي يعرف أن المكتبة العربية خلو منها ويرى أنها في حاجة ماسة إليها، فهو كما يقول أنور الجندي: "كان حريصا أشد الحرص على ترجمة الكتب التي أنصف مؤلفوها الأمة الإسلامية وعلماءها على طريق بعث أمجاد الأمة وبيان فضلها بشهادة الأجانب"، وقد جاء في مقدمة ترجمته لكتاب "حضارة العرب" لجوستاف لوبون قوله: "أكون قد أدخلت بذلك كتب لوبون المهمة الآخذ بعضها برقاب بعض إلى العربية إدخالا يخيل إلى الباحث معه أن هذا الحكيم الجليل من العرب"، ومن ثم فلا عجب أن تحفل مترجماته بالكثير من تعليقاته وملاحظاته وآرائه النقدية وكذلك تصويباته للأخطاء التي يقع فيها المؤلفون، ويقول محمود الأرناؤوط عن ذلك: "إن المتتبع للآثار التي خلفها عادل زعيتر في حقل الترجمة يجد أن له فيها دورا لا يقل أهمية عن دور الترجمة ألا وهو دور الناقد نافذ البصيرة حيث يتصدى للجوانب التي جانب الصواب فيها المؤلف ناقدا معلقا معيدا الكاتب والكتاب والقارئ إلى الرأي السديد".

ويتسم عادل زعيتر في مترجماته بالدقة البالغة فتجده يقرأ الكتاب في أكثر من لغة لاسيما إذا كان سيترجمه عن غير لغته الأصلية كي يضمن خروج ترجمة الكتاب في أدق صورة ممكنة، كما تجده دائما حريصا على عدم الاستسهال في اختيار المفردات، وكان ينفق الكثير من الوقت والجهد في البحث والتنقيب عن المفردة المناسبة حتى لو لم تكن مألوفة أو متداولة لأن عادل زعيتر كان يضع نصب عينيه كهدف من أهدافه الأساسية في الترجمة إحياء الكثير من المفردات والألفاظ المهملة في اللغة العرب، و يقول الدكتور مصطفى جواد عن ذلك: "كان رحمه الله ينتقي الكلمات العربية انتقاء ليعبر بها عن كلمات فرنسية يعز على غيره الاهتداء إلى ما يقابلها في العربية حق المقابلة"، وان عادل زعيتر يتابع مترجماته بدأب شديد خلال جميع مراحل طباعتها منذ أن يضعها بين يدي الناشر إلى أن تخرج في صورتها النهائية قبل أن تتلقفها أيدي القراء حتى يضمن أن تكون في أدق محتوى وأبهى صورة، وينقل محمود الأرناؤوط عن محمد الحلبي صاحب "دار إحياء الكتب العربية" بالقاهرة قوله بعد وفاة عادل زعيتر: "إني أدير مطبعتنا منذ اثنتين وثلاثين عاما، وقد تعاملنا في أثناء ذلك مع عدد كبير جدا من المؤلفين والمترجمين والمحققين في مصر وسائر البلاد العربية والإسلامية فلم أجد أدق من الأستاذ عادل زعيتر في عنايته بتصحيح كتبه وسهره عليها وحرصه على إتقانها".

ويرى محمود الأرناؤوط أن عادل زعيتر: "بالإضافة إلى حرصه على الدقة البالغة في مترجماته كان منهجه في الترجمة أن يمعن في فهم النص الذي يترجمه فيقرؤه أكثر من مرة ليسبر غوره من أجل النفاذ إلى روح الكتاب والكاتب"، وينقل إبراهيم زكي خورشيد عن عادل زعيتر في هذا الشأن قوله: "إن مهمة المترجم ليست نقل العبارة الأجنبية إلى العربية بل ما هو أهم وأعظم من هذا بمراحل كثيرة وهو أن ينفذ المترجم إلى روح الكاتب وأن يفهم شخصية المؤلف تمام الفهم".

ويقول حسين محمد بافقيه عن عادل زعيتر: "والذي له صلة بما نقله عادل زعيتر من كتب للمفكرين الغربيين يدرك أن الرجل كان ينتمي إلى جيل من المترجمين العلماء الذين تكبدوا المشاق لجعل الجملة العربية قادرة على تمثل الفكر الحديث بإحياء النمط العربي من القول وبعث ميت الكلمات من دون أن يضطر إلى هلهلة التركيب اللغوي باحتذاء الأساليب الغربية التي يلجأ إليها عادة غير قليل من النقلة والمترجمين، فقارئ مترجمات زعيتر يجد نفسه أمام لغة بيانية من النمط العربي العالي ذلك النمط الذي يملأ عليك وعيك ووجدانك حتى تشعر بحصار اللغة لك، وحتى لتحسب أن الرجل ينحت الكلمات ويسبك التراكيب سبكا بيد صناع ماهرة، وكأنه ابتغى تحديث أوصال الجسد العربي بتطعيمه بأسباب النهوض ولتقدم كما رآها في الفكر الغربي وأن يتم ذلك كله بلسان عربي مبين".

وفي ترجمته لكتاب "النيل .. حياة نهر" للكاتب الألماني الشهير إميل لودفيج يحدثنا عادل زعيتر عن أن هناك فرقا كبيرا بين الأدبين العربي والغربي في الوقت الحاضر، وكيف أنه يسعى من وراء مترجماته إلى تطعيم لغتنا العربية بما تزخر به معاجمنا من مفردات غير نابية بغية الإسهام في جعلها متداولة على الألسن والأقلام حتى تصبح مقبولة مألوفة، فيقول: "ومن يطلع على كتب لودفيج ومن إليه من أساطين الأدب الغربي في الغرب يرعه ما بين الأدب العربي والغربي من بون واسع في الوقت الحاضر مع ما كان من غلبة لغة الأدب العربي في الزمن الغابر، ولا بد لذلك من تطعيم لغتنا الراهنة مقدارا فمقدارا بما تحتويه معاجمنا من كلمات غير نابية فلعلها تصير مألوفة، وهذا ما سرت عليه بعض السير في كثير من الأسفار التي ترجمتها ولكن مع تفسير هذه الكلمات في هامش الصفحات تسهيلا للمطالعة".

ويقول نبيل خالد الأغا عن عادل زعيتر: إنه "كان حريصا على اختيار ألفاظه الأمر الذي جعل فهم بعضها شاقا على القارئ العادي وكان في استطاعته تبسيطها لكنه كان يأبى ذلك احتراما لمنهجه الذي يأنس به من ناحية وتقديرا لكرامة وقدسية لغة القرآن من ناحية أخرى".

وفي مقدمة ترجمته لكتاب "نابليون" لإميل لودفيج يوضح عادل زعيتر طريقته الخاصة في الترجمة فيقول: "ثم أعدت النظر في الترجمة بعد سنة فرأيت أن أهذبه وأصقله وأوجه القليل من مفرداته ونصوصه مع تقديم وتأخير في بعضها أحيانا فجعلته أكثر انسجاما وارتباطا وأقل إبهاما وأحسن أسلوبا وأجزل عبارة وأسهل منالا، ولا ضير في ذلك مادام الكتاب أدبيا وما حافظت على جميع مناحي المؤلف".

ويؤكد هذا صديقه وديع فلسطين حين يقول عنه: "هو في الترجمة حرفي لا يتصرف ما لم تكن هناك ضرورة لا مفر منها، ولكنه يطبع أسلوبه بطابع عربي بالغ الإبانة لا يتأتى إلا للبلغاء المؤثلين في اللغة، ولا يسهل فهمه إن كان القارئ عجلان أو ناقص الثقافة " وينقل وديع عن عادل زعيتر قوله: "إن بغيتي العليا في الترجمة أن أحاكي الأصل الإفرنجي متانة أسلوب وروعة أداء ودقة تحر وسلامة من العيوب"، وقد كتب عنه محمد عبد الغني حسن في هذا الشأن يقول: "وكان في عادل دقة في الترجمة إلا ما أحدثته الترجمة عن لغة ثانية من فروق كما كان فيه أصالة في التعبير وفحولة في التركيب وضلاعة في اللغة وميل إلى إحياء اللفظة الغريبة لا استكراها في جلبها ولكن إشاعة لاستعمالها".

لقد كان عادل زعيتر في مشروعه لترجمة روائع الفكر الإنساني إلى اللغة العربية مدفوعا برغبة عارمة داخله إلى خدمة الثقافة العربية المعاصرة والإسهام في تقدمها وازدهارها، يقول الأستاذ محمد عبد الغني حسن عن ذلك: "وأكاد لا أجد مؤلفا عربيا جعل للترجمة والنقل عن الكتب الأجنبية منهجا مدروسا وخطة مرسومة واضحة المعالم والأصول كما فعل المرحوم عادل زعيتر، فهو لم يترجم كتابا كما اتفق له، ولم ينقل مصنفا إلى لغة العرب من غير أن يعرف مدى صلاحيته وفائدته للغة العرب من ناحية وللعرب والمسلمين من ناحية أخرى"، ولذا فإن عادل زعيتر لم يكن يسعى من وراء مترجماته إلى أن يربح مالا أو يحوز جاها أو يحصل على شهرة فقد كان ينفق ما يأتيه من مال من مترجماته على رحلاته إلى القاهرة لمتابعة مراحل طباعتها والتيقن والاطمئنان على خروجها في أحسن صورة أرادها لها، وعن ذلك يتحدث صديقه محمد على الطاهر فيقول: "وإن سألني سائل أين المال الذي قبضه عادل زعيتر من دور الطبع والنشر مقابل مترجماته؛ تلك المكتبة التي قدمها لأمته؟، فإني مخبر السائل بأنه كان يدفع قيمة اتعابه إلى شركات الطيران وفنادق القاهرة حين كان يأتيها ويقيم فيها ثلاثة أشهر في كل عام لتصحيح "بروفات" هذه الكتب، لأن إتقان مترجماته لا يتم في نظره إلا إذا طبعت صحيحة وأن تطبع أتقن وأجمل طبعة"، كما ينقل عنه أنور الجندي في كتابه "المحافظة والتجديد" بخصوص هذا الموضوع قوله: "لم نتوخ الربح المادي وكانت وجهتنا خالصة لوجه الثقافة والأدب وخدمة العرب مع ما تكبدنا من جهود مضاعفة في سبك عبارتها وجعلها بعيدة عن العجمة والألفاظ الحوشية، ومع ما زهدنا عنه في أثنائها من كسب نناله من مهنة المحاماة ومن غيرها".

وقد قالت "بنت الشاطئ" الدكتورة عائشة عبد الرحمن و هي تؤبنه: "لقد ظل عادل زعيتر في أفقه العالي حريصا على الأمانة معتزا بكرامة قلمه ضنينا بمستواه على النزول جاذبا قراءه إلى بعيد الآفاق وعالي الذرى دون أن يدخل في حساباته قط مسائل الكم والربح والرواج، ولكم حاول بعض الناشرين أن يغروه بالنزول عن مستواه ليكسب مزيدا من القراء لكن المحاولة ضاعت سدى وبقي حيث هو مصعدا، فمن أطاق من قرائه ومن شارف آفاقه فهو به سعيد وراض ومغتبط"، كما شهدت بنت الشاطئ بالقيمة الرفيعة لمترجماته فقالت: إنه "أعاد إلى الترجمة اعتبارها بعد أن هبط بها المرتزقة والمأجورون وصنائع الاستعمار الفكري، وهو الذي وقف في غمرة الظلم الداجية يحمل المشعل بيده الكريمة ليضيء لقومه العرب طريق الحق والخير والعزة، وما كان مشعله سوى قلم قوي نبيل أصيل يستمد قوته ونبله من عقل ناجح وضمير حي وقلب كبير وذكاء ساطع".

إن عادل زعيتر - كما يقول صديقه محمد علي الطاهر - "وصل إلى ثقافته العالية الرفيعة بجده وسهره ونشأ في المحيط الوطني المجاهد الذي عاش فيه مع تمكنه من نواصي اللغات العربية والتركية والفرنسية والألمانية والإنجليزية جعلته يملك زمام موضوعه بهذه الأدوات العلمية التي قل أن يظفر بها أحد من المعاصرين، ويبزَّ كل من يتصدى للترجمة ونقل علوم الأمم الغربية و تعريبها بمثل الدقة التي تمكن بها عادل من ترجمة وتدقيق أكثر من ثلاثين كتابا ضخما من أروع ما وصل إليه العقل المعاصر من تفكير"، ويقول عنه محمود الأرناؤوط أيضا: "إنه استطاع أن يتحول بدأبه وصبره و كفاحه إلى علم من أعلام الأمة الخالدين، وإن ما استطاع أن يقدمه إلى قراء العربية من نفائس الأعمال القيمة الرصينة لجمهرة من عمالقة الثقافة في فرنسا إبان العصر الحديث بلغة راقية وأسلوب عالي المستوى ليشهد له بالعبقرية والنبوغ".

لقد كان عادل زعيتر بحق - حسب تعبير  أنور الجندي- "ظاهرة نادرة وعلامة بارزة على طريق التحضر العربي المعاصر عمل في مجالات مختلفة في المحاماة والسياسة والترجمة، ولم يكن في فكره مقلدا بل كان مبدعا مجددا وقد أسهمت مترجماته النفيسة في تكوين تيار فكري جديد في الثقافة العربية خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات في القرن الماضي يقوم على أساس من الرابطة القومية والاعتزاز بالعرب والعروبة".

توفي عادل زعيتر - رحمه الله تعالى - في نوفمبر عام 1957م  عن عمر يناهز اثنين وستين عاما، وليس له من المؤلفات - كما يؤكد الدكتور يحيى جبر - سوى بعض المقالات نشرتها له عدة صحف وبعض أوراق في مسائل قانونية كتبها عندما كان يعمل مدرسا بكلية الحقوق في القدس، وقد سأله سائل عن علة عدم اشتغاله بالتأليف وتركيزه جهوده على الترجمة فقط فأجاب بقوله: "عندما أشعر بأن مؤلفاتي ستكون على مستوى ما أترجمه من أعمال الأوربيين فإنني سأفعل".

ولكن عادل زعيتر - كما يقول صديقه محمد علي الطاهر - "لم يمت إلا بعد أن قام بما تعجز المجامع العلمية عن القيام به، وناب عن الجامعات في تقريب العلم إلى الناس، بل قام وحده بما لم تستطع الحكومات أن تقوم به"، ولقد صدق الأستاذ عادل الغضبان عندما رثاه قائلا:

            تبارك من أهدى كريــم يراعه .. إلى العرب كنزا لا تعد زخائره

            إذا نسجت ثوب الفخار يراعة .. فمن نسج أقلام الخلــــــود مآثره