من سيميائية الكذب والسّرقة في الرّواية العربيّة المُعاصرة

 




سبعة أودية لعبد الحميد عبّود* 

محمّد خريّف**

في رِوَاية "سبعة أودية" يُغامر عبد الحميد عبّود فيبشّر بجماليّة سرد البارودي الكاذب المختلف الناسف المفكّك لأواصر سرد اليقين المستأنس بقوالب سرد الحديث والسّنة ، به يصدم القاريء فيقوّض مضجعه الايتيقي بما لايُنْتظَرمن كسْر نظام جُملة نحو الرّواية العربيّة التي لم تقطع بالكامل مع جملة نحو الإسناد المُفيد ولمّا تتحرّر من توابع نظم القصيد ومن أغراضه الرّثاء التي توجّه السّرد الرّوائيّ وهْما نحو تبنّي قيَم الدّفاع عن النصّ الأعظم بفقه الكلام خشية الزّيغ به نحو اِرْتكاب اللّحن والوُقوع في مزالقه عمْدا بتبنّي علامات اللاّ نحو والخروج عن كلام الصّراط المستقيم في نسبة أيقونات التسمية ، التسمية المُفارقة لماهو معروف ومتداوَلٌ في سرْد الرّواية التقليدية فإذا ب "عبد السارتر ماركس" يصير حجّة الإسلام ،يُنسب إليه من الأدْعِيَة والاِبتهالات ما يُنسب في العادة إلى من عرف بأنّه حجّة الإسلام من شيوخ المسلمين ورواة الحديث والسّنة للعبرة والاعتبار،ومن هذه الأدْعية ما يلحق في سنة الدّعاء أسماء حجّة الإسلام من عبارات هي بدورها أدعية منها:"رضي الله عنه"" و"عليه السلام" " وكرّم الله وجهه " وعلى منوالها يسرد راوي"سبعة أودية":

" عاد الشيخ الصغير بن سيدي الشيخ الكبير يسأله عن شيوخه فقال :"حجة الإسلام عبد السارتر، ماركس رضي الله عنه وفرويد كرّم الله وجهه ، ودارون عليه السلام "

 مط الشيخ شفتيه :" والله يد الصحابة ألْ ذكرت ماقط سمعنا بيهم ،احن ماسمعنا يكون الموطأ والألفية،اش من المنكسر والبرُدّة أُتوّفَ".ص 87

من كذبة الخطّ المستقيم وسرقته الى فرضيّة المفارقات السّيميائية

 مفهوم الخط المستقيم آو الصّراط المستقيم مفهوم لاسيميائيّ قائم في ذهن الفكر الأورتودوكسي قيام الاعتقاد المثيولوجي الرّاسخ في الصّلوحية الأبديّة لمبادئ هندسة" الخطّ المستقيم "المنخرطةبدورها في متاهة منظومة التفكير الرّياضيّ التقليديّ وهي من أسوأ المتاهات في منظور السّرد الرّوائي المابعدحداثي كما يرد بحرْفِه في سرَْد رواية "سبعة أودية" التي تدشّن مرحلة جديدة لرواية عربيّة بديل ترسّخ علامة الخطّ المستقيم فيها نشوء علامات خطوط متضاربة متفارقة: 

 كما يرد على لسان الراوي :"La genèse des contrastes

"عاد سرحان يكرّز في الصحراء :" الأسفار تجلو الرجال، ،تدفع الإنسان إلى امتلاك وعيه الذاتي ،ضيّع نفسك لتجدها،المسافات وجدت لتُقطع ،أضمن الطرق أصعبها أسوأ المتاهات هو الخط المستقيم ..." ص92

طريقة هي في السّرد طريفة مستحدثة تقطع مع سرد رواية الخطّ المستقيم الذي يموّه بكذبه ويسْرق بوفائه الأعمى لتوصيات إيقاع سجع الآية الداعية إلى إتباع صراط الهداية المستقيم وماطرافة السّرد إلاّ مُذْهِلَةٌ بما أُوتِيت من فتنة المُحاكاة السّاخرة في ما يحوّره صانع العلامات ويمسخه ليفكّكه ويبنيه من هشيم العلامة وحطامها "بدا سيدي الحاج مثل سلطان بلا صولجان وهو يخوض في خضم المفاخرة السلالية ،تبجّح بأنه من نسل سيدي أحمد بن صالح الأرواني ،من أولاد سيدي الكبير ابن سيدي احمد بن سيدي بوبكر بن سيدي محمد بن سيدي حيبللة بن سيدي عمرالشيخ بن سيدي احمد البكاي بن سيدي محمد الكنتي بن سيدي علي المنتسب إلى جعفر بن أبي طالب ،.تحدث عن جده الذي كان يفرض مكوسات على قوافل الظلاي ،كان يحتفظ بطبل الزعامة، وكان يكرم الضيف ويعدّ السماطات ،فقد أولم مرّة لامنوكال هوكار جملا محشوَّا بخروف ، والخروف محشُوُّ بطير والطير محشوٌّ ببيض ، ثم تغيّرت الدنيا ،زحفت الرمال وجاء مهاري "الفرنصيص"، أقاموا نقطة عسكرية لضبط القوافل وسلبوا منه امتياز الجباية والأتاوة ،جاء موديبوكيتا حرمة من عبيده ، وجاءت مجاعة العام 71، أكل الناس لحم الحمير وعرانيس المركبي ، وخٌرّبت أروان بعد عمارها ،ولم يبقَ منها إلا بضعة أنفار هو أحدهم" .ص97

السّرد مُغْر مُرْبِك بما توفّرفيه من قرائن الكذب والسّرقة ، تصدع مضمرة صريحة بالغلوّ في التدقيق ولزوم مالايلزم سواءٌ في الاعجام بالشكل أواالتنقيط فالتمطيط في حلقات ذكر شجرة الأنساب إيهامابتضخّم موازين الصّدق وأمانة السند وصحّته في النقل ولا صدق ولا أمانة غير الإيهام بهماعن طريق تكثيف مُولّدات المُفارقة العلاماتيّة بالتداعي والاستتباع والاستنتاج فالاِسْتنباط بمناسبة وصف وليمة طريفة بحشْو حشوها : جمل يحشى بخروف والخروف يحشى بطير والطير يحشى ببيض.. أهو حشو سيميائي مُفارق يملأ العلامات بمايُفْرغها من دَوالّها إذ الجمل مملوء بحشو الخروف فارغ من علامته وكذلك الخروف والطير فالضيف؟ أليست تلك وليمة الكذب والسرقة التي تنسخها التسمية لتمسخها بالمفارقة بمنأى عن متاهة الخطّ المستقيم؟ 

* عبد الحميد عبود :سبعة أودية منشورات" الغاوون " الطبعة الاولى 2010

ناقد من تونس**