بقلم عبد الوهاب الحمادي
كنت أعرف وأكاد أحفظ حوارها المتلفز مع فيروز والأخوين رحباني.. وبعض نتف عنها.. وما قرأته عن تفاصيل زيارة أم كلثوم لباريس.. هذا معظم ما كنت أعرفه عن "سلوى".. ثم وفاتها بحادثة طائرة قبيل حرب 1973.. جاء هذا الكتاب وصنع لي عالما عن فتاة ابنة قاض وتزوجت بقاض آخر.. ساهمت في مجتمع الستينيات الذي يريد الوثوب إلى العلا.. وأحلامه شاهقة بعظمة الخطب الجزلة والكاريزما المنبرية التي لا تتكرر.. مذيعة شابة وشاعرة رقيقة.. تتقن الفرنسية.. وأهلها تعليمها لتكون فتاة الشاشة المفضلة كأنما هي أخت لكل المشاهدين.. بل وأم لأغلب الأطفال الذين تمكن أهاليهم آنذاك في الستينيات من شراء تلفاز.. في الحقيقة الأسئلة بعد القراءة زادت أكثر من اللحظة التي بدأت فيها بالقراءة.. وهذا دليل على نص بالغ الجودة ومحرض على التفكير.. رصد بذكاء التحول في حياتها بعد النكسة.. وكيف انكسرت.. كنت أتساءل.. وبينما جزء من ذاكرتي يستعيد سيرة أشهر السياسيين والفنانيين الذي ثبت أن هناك من يستمع لمكالماتهم ويحصي عليهم نواياهم.. هل ترى تلك الفتاة الموهوبة كانت ضمن من انكسروا في ذلك الزمان فانعكس ذلك في سوداوية شعرها؟ هل كانت حادثة الطائرة علامة اقتراب حرب كان يخطط لها القادة في الخفاء ويشترى لها السلاح عبر طرق ملتوية ويتدرب لها الطيارون الحربيون في دول عربية شقيقة دون علم الكيان المحتل؟ كنت أفكر في كل مرحلة من حياتها بماذا كانت تفكر؟ لماذا أرادت ترك الحياة الزوجية الروتينية ولحاق الضوء مثل فراشة؟! هل جاء هذا الوصف في إحدى قصائدها؟ كيف يترصدنا القدر ويكتبنا ثم نزعم أن القدر يستجيب للناس؟ أم أنه يمثل الاستجابة لهم ليضحك في النهاية؟ صورة الغلاف كان ل "سلوى" تنظر لأعلى.. هل كانت تنظر للطائرة الليبية.. أم لقدرها الذي ينتهي في الأعلى؟! هل الحادثة الإجرامية سياسية لوجود سياسي ليبي ساهم في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية والتي تأسست على ضفاف ساحل مدينة الصليبيخات الكويتية وبمساهمة مالية رئيسية من أميرها ورجال الأعمال الكويتيين؟ أم هي رد على عملية أيلول الأسود؟ وكلنا يعلم ما هو شهر أيلول الأسود ومن هي أطرافه؟ وكيف خرج رئيس المنظمة آنذاك من الأردن في حكاية روائية يلبس ثوبا كويتيا كأحد أفراد الوفد.. أترى تلك الحكايات التي تتلاعب في ظلال النص البهي الذي كتبه الباحث العذب كريم جمال حقيقة؟! أم أنها مجرد أوهام قارئ سيء النية؟! أهو الضجر الذي يحرك جناحي الفراشة.. يا فيلمون كم هو جميل لحنك "من عز النوم".. رقص وضحك وسهرية عيد وكل صحابي حواليي.. وعم فتش أنا على حب جديد والناس عيونا عليي. ! أهو الضجر؟! هل "سلوى" فتاة أشقاها الضجر؟! الكتاب سيرة بلا نهاية وفخ للقارئ ليسقط ويتوه في غابة أسئلة بلا نهاية.. عن الزمان والمكان والعدل والقدر والحيوات الموازية لتلك الحياة.. وكيف يستمر نهر الزمان ولا يتوقف.. جهد بحثي رائع كما عودنا كريم جمال.. والأجمل أنه بعد نجاح كتابه عن أم كلثوم.. لم يعلق في فخ كوكب الشرق ويكتب: أم كلثوم والمجهود الحربي ٢.. أم كلثوم والمجهود الحربي ٣ الخ... استغلالا.. بل راهن على شخصية غير متوقعة.. وأفلح برأيي في الرهان مجددا.. وكما يقال في الوصف: ضربة معلم! وقد أفلحت يا معلم..