سعيد صالح .. المشاغب .. اللاذع .. عبقري المسرح

 




كتب خالد شحاتة 

تمر اليوم الذكرى 85 لميلاد الفنان سعيد صالح  المولود في 31 يوليو 1940

‏قال عنه الكاتب الساخر محمود السعدني عام 1971، "سعيد صالح من شلة العيال وهو أخفهم دما بل هو أخف دم مضحك على الإطلاق وهو قادر على إضحاك الطوب بحركة، أو بلفتة، أو بإشارة من إصبعه الصغيرة، يستطيع ذلك لأنه لا يتعمد التمثيل بل تلك هي طبيعته".

وأضاف السعدني: كان موهوبا متشردا هاربا من الدراسة، شديد الضيق منها، هائما على وجهه يبحث عن نفسه، ولا شك في أنه وجد نفسه فجأة بمسرح التليفزيون.




‏كانت أولى أدوار سعيد صالح في مسرحية "هالو شلبي"، وذلك بعد أن اكتشفه الممثل حسن يوسف، لتتوالى الأعمال التي قدمها وتصل إلى قرابة 500 فيلم و300 مسرحية، ويفاخر سعيد صالح بأن: السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم وكان ثلثها من نصيبه.

‏ فضلًا عن المسلسلات والأعمال الإذاعية، لكنه على حسب اعترافه قدم أعمال كثيرة دون المستوى خصوصًا في الثمانينات، فيما يطلق عليه أفلام المقاولات وكان الدافع لقبول هذا العدد من الاعمال ماديا وان اثر على الجودة.

‏‎ أتسمت مسيرته الفنية بالصدام مع السلطة والنظام في مصر حيث كان يقف بمسافة واحدة مع البسطاء والمظلومين وكان صوتهم الذي أرعب الأنظمة المستبدة فحاربته وحجّمته!

‏بعد 18 يوما من بداية حرب 6 أكتوبر عام 1973، وبينما كانت فوهات دبابات الجيش المصري قد حددت هدفها ووُجهت نحو الجيش الإسرائيلي، خاض الممثل المصري سعيد صالح مع مجموعة من فرقة الفنانين المتّحدين مثل عادل إمام وأحمد زكي ويونس شلبي وسهير البابلي حربا خاصة على خشبة المسرح.




‏ضد المعلمة عفّت عبد الكريم التي صمدت ضد حرب الأعصاب التي شنها عليها طلابها داخل الصف ومن ضمنهم مرسي الزناتي الذي تقمص دوره  سعيد صالح، حيث كانت أولى انتصارات صالح التي قاده بعضها إلى المجد، ولكن أيضا إلى السجن.

‏الحقيقة أن سعيد صالح لم يكن يحب السينما، وهو الأمر الذي صرح به كثيرًا في أكثر من لقاء، على عكس المسرح الذي كان يعشقه ولا يجد نفسه سوى فيه، لكن لضعف إيرادات المسرح نظير جهد خرافي يجب أن يبذل فيه، اتجه للسينما مجبرًا، وهو ما جعل كثير من أفلامه تجارية ليس إلا.




‏ومن القصص الطريفة في هذا الشأن أن عادل إمام مع بداية انتشار القنوات الفضائية في التسعينيات وهو يتنقل بين المحطات فوجئ بفيلم لسعيد صالح لم يسمع عنه مطلقًا، اتصل به على الفور وقال له "ايه الفيلم الغريب ده" فرد عليه صالح ضاحكًا "هو انتو لسه شوفتوا حاجة!"

‏ارتبط سعيد صالح بصداقة قوية مع رفيق عمره عادل إمام منذ الثانوية، لذلك لم يكن مستغربا بينهم ذلك التناغم، عفوية صالح جعلته يصرح كثيرًا أنه أقوى من إمام في الكوميديا، وحين سأل أحد الصحفيين عادل إمام عن ذلك بغرض الوقيعة، قال له إمام "سعيد صالح يقول اللي هو عايزه".




‏‎سعيد صالح كان صادقا وسياسيا نوعا ما ولهذا روج له النظام بأنه يشرب مخدرات لكي لا تتعاطف الناس معه. أكثر من يمتهن الفن يتعاطى مواد مخدرة يا مسكرة ولكن لن نسمع عن أحد طارده النظام وحاربه و حبسه كسعيد صالح وله مسرحيات لم تعرض حتى الآن وقلة من هم يعرفونها.

‏حين يصبح الفن لعنة

"الممنوعات اللي بتتفصَّل على الغلابة بس، يضربوك في السجن ويقولك ممنوع الصراخ، يسكنوك في أوضة ربع متر ويقولك ممنوع تبص لفوق، تموت من الزحمة ويقولك ممنوع التجمهر.. نروح فين؟ كفاية ممنوعات بقى، كفاية إنت مبتتعبش"؟

‏كانت هذه جملة من مسرحية كعبلون تلاها سعيد صالح بغناء أغنية الممنوعات للعظيم شيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.




‏سعيد صالح اتحبس 6 شهور  عام 1981 علشان وقف على المسرح في مسرحية " لعبة اسمها الفلوس " قال جملة: “أمي إتجوزت 3 مرات.. الأول وكّلنا المِش، والتانى علّمنا الغِش، والتالت لا بيهش ولا بينش” وهو يقصد ناصر والسادات ومبارك.. واتحقق معاه عشرات المرات بسبب أعمال وأقوال مماثلة كتير.

‏سعيد صالح في لقاء تلفزيوني قديم

المذيعة تسأله وكان وقتها توه خارج من السجن ،

قالت له : السجن أحسن ولا بره؟

"قالها: بصي، السجن كل شيء فيه واضح، فلان ده تاجر مخدرات، فلان ده قتال قتله، فلان ده حرامي وهجام، فلان ده قواد ده بتاع مصلحته ده ، فلان ده مظلوم وبريء

(كنا بنتلم على حصيرة ونصلي كلنا ونقول يارب

 كل حاجة هناك واضحة جدًا ومحدش بيلبس توب مش بتاعه ويقول أنا شريف وهو قواد، ولا الحرامي بيقول إنه أمين ولا بتاع المخدرات بيغسل أموال ويبني عمارات تقع ع الناس. السجن هو العالم الحقيقي النقي

لدرجة إننا كنا بنتخيل إنهم عاملين أسوار وحاطين حرس بسلاح عشان يحمونا من السجن الكبير والعالم الكداب اللي بره.

أنا خرجت ، بروح أزورهم لإنهم ناس حقيقية مش مزيفين)

‏‎ومن المواقف الطريفة التي يحكيها الفنان الراحل يونس شلبي أنه قبل حفل زفافه،طلب الفنان الراحل يونس شلبي من أصدقائه الفنانين عدم الحضور.. لأنه لا يستطيع توفير طعام لهم..لكن صديقه المُقرب سعيد صالح أصّر على الحضور، واصطحب معه لفيف من الفنانين! 



موقف سعيد صالح هذا في قمة الأصالة والإنسانية،حتى وإن رأى البعض فيه بعض الإحراج للعريس!

‏حتى آخر لحظات عمره كان صالح بارعًا في التمثيل، يشهد على ذلك مشهده التراجيدي الأكثر من رائع في فيلم زهايمر، والذي يتقمص فيه دور صديق عادل إمام المريض بمرض الزهايمر.

‏تشاء الأقدار أن يصاب سعيد صالح بنفس هذا المرض عام 2011 بجانب إصابته بسرطان في المخ، الأمر الذي أفقده تدريجيًا قدرته على النطق، وعاني كثيرًا توفي في 1 أغسطس عام 2014.

#نقاش_دوت_نت