في الشعر .. أيهما أولى اللفظ أم المعنى ؟

 





كتب خالد بيومي 

والشِّعرُ - مَا وجدت - لُغَةٌ حَسَّاسَةٌ تُلَامِسُ خَلَجَاتِ النَّفسِ الإنْسَانِيَّة وتَهُزُّ وجدانَها، وشَرُفُ المَعنىٰ فِي الشِّعر إنَّما يَأتِي مِن شَرَفِ نَظمِهِ لَا أَصلِه؛ فُرَبَّمَا كانَ المَعنىٰ فِي نظمِهِ شَرِيفًا عَاليًا وهو فِي أصلِهِ مَرذُولٌ سَاقِطٌ، ورُبَّمَا كَانَ فِي نَظمِهِ مَرذُولًا ساقطًا وهو فِي أصلِهِ شريفٌ عالٍ، ورُبَّمَا اتفق الأمران؛ عَلَىٰ أنَّ المُعَوَّلَ فِي كلِّ ذلك لَيسَ عَلَىٰ شَرَفِ الأصل وإنما شَرَفُ النظم.

 ألا ترىٰ أنك إن نَظَرتَ إلىٰ قولِ امرئ القيس:

"سَمَوتُ إليها بَعدَمَا نَامَ أهلُها

سُمُوَّ حَبَابِ الماءِ حَالًا عَلىٰ حَالِ."

وجَدتَهُ شَرِيفًا عَاليًا واهتززتَ لهُ اهتزازَ الطَّرِب وترنَّحتَ تَرَنُّحَ النَّشوَانِ وأختلجَ في نَفسِكَ من الأحاسيسِ مَا يجعلُك تقول:"لله دره لله دره لله دره!" وإن كان المعنىٰ في أصلهِ مَرذُولًا ساقِطًا، وأنت إذ تعاطفتَ مَعَه في هذا المَعنىٰ إنما تَعَاطفتَ مع المَعنىٰ الشِّعرِيّ لا أصلِ المَعنىٰ.

وإنك إن تنظر إلى قول رُؤْبة:

"يا رب إن أخطأت أو نسيتُ

فأنت لا تنسى ولا تموتُ!"

تجدْهُ ليسَ بشَيء فِي المعنىٰ الشِّعرِيّ ولم يُحدِث فِي نَفسِكَ هِزَّةَ الأوَّلِ وإن كانَ في أصلهِ شريفًا عاليًا!، فتأمَّل رحمك الله!

#نقاش_دوت_نت